دارفور.. وخيارات التدخل

TT

دأب النظام السوداني، الذي يترأسه الرئيس عمر حسن البشير، على مدى سنوات على التصرف كعصابة إرهابية تحتفظ بملايين اللاجئين كرهائن لديها، محذرين العالم من القيام بأي نوع من التحركات العدوانية أو المفاجئة. بيد أن العالم يواجه الآن تساؤلا: ماذا نفعل عندما يقوم الآسرون بقتل الأسرى؟ بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها بالقبض على البشير على خلفية الاتهامات بارتكاب جرائم ضد البشرية، رد البشير على ذلك بطرد 13 منظمة إغاثة إنسانية من بينها أربع شركاء أساسيين لبرنامج الغذاء العالمي المسؤول عن توزيع الغذاء على 1.1 مليون شخص في دارفور. تلك الخطوة المفاجئة التي قام بها الرئيس البشير منعت 35% من قدرات توزيع الغذاء على أهل دارفور، كم ألمح إلى أن منظمات الإغاثة الأخرى قد تتعرض للإجلاء من المنطقة بنهاية العام.

وقد وصف لي محمد أحمد عبد الله، الطبيب والناشط في مجال حقوق الإنسان في دارفور، المنطقة بأنها على «شفير الهاوية». فعدم وجود منظمات المساعدات الدولية لتنظيم الإمدادات يعني حصول 9% فقط من السكان على المياه النظيفة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هناك مرض التهاب السحايا الخطير الذي ازداد انتشاره بعد مغادرة منظمات الإغاثة الطبية، وقال أحمد: «من المتوقع أن تنتشر حالات الوفاة في القريب العاجل». يزعم البشير أن هدفه «سودنة» جهود الإغاثة، مصرا على أن يقوم المجتمع الدولي بإنزال المعونات في المطارات أو الموانئ السودانية حتى يمكن توزيع المعونات من قبل الحكومة السودانية. ويفند أحمد ذلك بالقول: «إنهم لا يملكون القدرة التقنية اللازمة أو المعرفة للقيام بذلك. إنهم إذا ما قاموا بذلك فلن يتقبل أهالي دارفور هذه المعونات، فمن غير المتوقع أن يثق ضحايا الإبادة الجماعية في كرم البشير. ويشير أحمد إلى أن الأمر نفسه ينطبق على المساعدات المقبلة من دول الشرق الأوسط فيقول: «إن أهالي دارفور لن يثقوا في المساعدات العربية. فعلى الرغم من أنهم مسلمون، فإنهم لم يمدوا لهم يد العون، ولذا يعتقد الأهالي في دارفور أن تلك المساعدات ستكون مسممة بسهولة». رد برنامج الغذاء العالمي على تلك الأزمة الطارئة، بتقديم معونات طارئة لمعسكرات الإغاثة في دارفور تكفي لمدة شهرين في محاولة لإقناع الناس بالبقاء صامدين. غير أن مسؤولي البرنامج أخبروني أن ذلك المجهود، «لن يستمر طويلا»، ومن ثم بدأ برنامج الغذاء العالمي في توفير كميات كبيرة من الغذاء تحسبا لتدفق عشرات الآلاف من اللاجئين اليائسين إلى شرق تشاد، ويرى أحمد ذلك المشهد برعب بالغ «فالأفراد يتحركون نحو الأمان والأمن الغذائي من معسكر كالما (أكبر معسكرات دارفور) إلى شرق تشاد، حيث يضطرون إلى قطع 500 كيلومتر مجازفين بإمكانية التعرض لهجمات الجنجويد والمتمردين في تشاد بالقرب من الحدود»، وهي مسيرة طويلة وجافة ومهلكة.

يواجه المجتمع الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة صعوبة اتخاذ قرار. فربما يلجأ إلى التراجع عن المواجهة مع البشير طمعا في السماح لمنظمات الإغاثة في العودة إلى دارفور، لكن مناخ العداوة المتزايدة قد يعقد من تطبيق اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب، تلك الاتفاقية التي تتوقف عليها حياة الكثيرين، وهناك اتفاق إنساني في هذا السياق. وستؤكد تلك الطريقة على فعالية استراتيجية البشير في معاقبة الأبرياء وتأكيد استمرار العنف والوضع القائم الجائر في دارفور.

في المقابل يمكن أن يقوم العالم بزيادة الضغوط على نظام البشير، علما أن البشير قد يتسبب في مزيد من المعاناة والقتل، الذي قد يكون قصير الأجل، عند ممارسة هذه الضغوط. وقد تكون هذه الطريقة مبررة أخلاقيا في حال نجاح تلك الضغوط في نهاية الأمر، لكن ذلك يتطلب تطوير استراتيجية جيدة تؤدي، خطوة بخطوة، إلى وجود حكومة في السودان تقدر أهالي دارفور وتطبق اتفاقية الشمال والجنوب بإيمان صادق. لا يعني ذلك بالضرورة تغيير النظام، لكنه قد يتطلب تغيير البشير وبزوغ قيادة سودانية جديدة راغبة في البدء من جديد.

وفي القيام بتلك المهمة، تتمتع إدارة أوباما بميزتين كبيرتين: الأولى هي البشير ذاته، الذي تعمل وحشيته المعلنة على تدمير مصداقية كل أولئك الذين وفروا له الملاذ في الماضي. الأمر الثاني هو الموقف الدولي للرئيس أوباما الذي يمكن أن يستغله الرئيس في إقناع الأوروبيين بعقوبات اقتصادية أوسع وكشف الحلفاء التقليديين للسودان مثل مصر. لكن ذلك سوف يتطلب البذل الفوري لرأس المال الدبلوماسي، وتصعيد القضية مع كل من الأصدقاء والخصوم على حد سواء وإمكانية استخدام القوة العسكرية. لا يفترض أن تبرر الأزمات الإنسانية في العالم ذلك النوع من التصرف، أو أن تقوم الولايات المتحدة بالانتشار إلى ما لا نهاية. لكن إذا ما كانت الإبادة الجماعية لا تبرر هذا التصرف، فلن يمكن تبريره إلى الأبد، وسوف نفقد الحق في قول: «إن ذلك لن يحدث مرة أخرى».

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»