عزوف متفجر

TT

يتمنى المرء أن تقرأ الكويت، بكل شرائحها ومستوياتها، عزوف محمد جاسم الصقر عن خوض المعركة الانتخابية المقبلة، بمعانيه الحقيقية ومراميه الصادقة وشروحه الواضحة. فالبيان لا يمثل فردا ولا حالة فردية. ومحمد جاسم الصقر يمثل، بالمقاييس الكويتية، إحدى العائلات المؤسسة في الدولة وفي النهوض الاقتصادي والاجتماعي. كما يمثل شخصيا مرحلة التطور الصحافي، إضافة إلى ما يمثل من حركة ديمقراطية وأداء برلماني.

أهم ما يمثل في كل ذلك، هو الصدق والصراحة. لم يصف أحد للكويتيين ما آلت إليه الحالة السياسية كما وصفها هو. استخدم لغة الوطن والموقع القومي وليس لغة الديوانيات ولا جدلها ولا مصطلحاتها التملقية والجمل المملة التي لم تعد تقنع أحدا أو تفيد بلدا.

يقول محمد جاسم الصقر، الذي استقال أيضا من رئاسة اتحاد البرلمانات العربية، إن الأزمة عمرها أربعون عاما وليست وليدة اليوم. يريد بذلك أنها بدأت قبل ظهور النواب الذين يريدون سقوط الحكومة بسبب أجر نجوى كرم أو حفلة نانسي عجرم. ويريد بذلك أن على المؤسسة الكويتية، بسائر مكوناتها، أن تتأمل نفسها بأمانة لكي تعرف إلى أين أوصلت البلد، الذي كان يتقدم معظم العالم العربي بعقود، في العمران وفي الأداء وفي الحكمة السياسية وفي المظهر الأخلاقي الرفيع.

لا تتحمل مصائر الدول استخدام الذرائع. هذا ما يقوله محمد جاسم الصقر وهو يشير إلى التذرع بما فعله الاحتلال العراقي. اللبنانيون أيضا يتذرعون بأن الحرب الطويلة كانت سبب الانحطاط والانحدار. لكن الحروب الطاحنة هي التي أدت إلى قيام ألمانيا عظيمة ويابان عظيمة وفرنسا موحدة وإيطاليا صناعية. يرفض الصقر لبلده حكاية الذرائع. ويقول للناس إنها ليست مسألة معركة انتخابية ينسحب منها، لأنه باق في العمل السياسي. بالشغف الذي عرف عنه وبالصدق الذي عرف وبالموضوعية السياسية الراقية التي ورثها.

كم أتمنى ألا تمر رسالة محمد جاسم الصقر ما بين هز الرؤوس وهز الأكتاف. ثمة قضية عميقة يطرحها الرجل على بلده. ويخطئ الذين يتجاهلون أن العالم العربي برمته يرقب ما يحدث في الكويت، بمحبة وقلق. وبعد رسالة الصقر، بشيء من الخوف أيضا.