الأمن والأخلاق.. من يرسم الحدود؟

TT

صورة التقطت من دون وعي بأهميتها، نتج عنها الاطاحة بواحد من أهم المسؤولين الأمنيين في بريطانيا، وهو رئيس وحدة مكافحة الارهاب، كما عجلت بعملية أمنية كبرى لاعتقال مشتبه بهم في توقيت حرج، خشية أن تنفضح أسماء المطلوبين أو مناطق تواجدهم نتيجة نشر تلك الصورة.

هذه الحادثة أثارت نقاطا عدة تستحق التحليل، ومن أبرزها استقالة رئيس وحدة مكافحة الإرهاب البريطاني، كذلك عدم توجيه الانتقاد لوسائل الإعلام التي نشرت الصورة، بل إن كثيرا من أعضاء الحكومة البريطانية أشادوا بالمسؤول الأمني مع الاقرار بأنه من الصعب الدفاع عنه.

كذلك اللافت أن المصور الذي التقط الصورة يقول إنه لا يشعر بدور بطولي، وإنه تردد في نشر الصورة، إلى أن لاحظ أن مصورا آخر نشر صورة شبيهة غير واضحة، كما أن المصور يقول إنه نصح في السابق مسؤولي مقر الحكومة البريطانية بأن يحذروا ضيوفهم من الكاميرات.

وهنا يبرز السؤال: من يرسم حدود الأخلاق، وحدود الأمن، في عمل الإعلام، ومع ظروف أمنية صعبة بات الإرهاب فيها طاغيا في كثير من دول العالم؟ والقضية ليست إرهابا وحسب، فصور حادثة مقتل ديانا التي تظهرها في شكل قاس لم تنشر في بريطانيا، وكان ذلك لاعتبارات أخلاقية.

أما أمنيا فهناك قصة أخرى مهمة تتمثل في قصة السجون السرية في أوروبا التي  امتنعت عن نشرها صحيفة أميركية لفترة طويلة بناء على طلب من البيت الأبيض، ولم تنشر إلا بعد أن تسرب الخبر في أوروبا.

حسنا وماذا عن عالمنا العربي؟ من تجربتنا الصحافية كان لدينا موقف قبل سنوات في السعودية. فأيام مطاردة أحد قيادات القاعدة في السعودية، حددت القاعدة وقتها مهلة لإعدام رهينة أميركي، وقامت بنشر صور للرهينة على الإنترنت.

وقتها بحثنا في محتوى الصور الالكتروني واكتشفنا أنها حملت على موقع موسيقي كويتي، على اثرها قام الزميل موفق النويصر بالاتصال بصاحب الموقع الذي عاد لنا بمفاجأة وهي صورة أخرى لم تنشر ويبدو أنها وضعت بالخطأ على الموقع، وتسلمناها وكانت لقيادي القاعدة المطلوب. اتصلت بمسؤول أمني كبير بوزارة الداخلية السعودية وتحدثت معه عن تلك الصورة، وخلال وقت قصير حضر شخص واطلع على الصورة وأخذ نسخة منها، ومن ثم تلقيت اتصالا من المسؤول الأمني، والأهمية في التفاصيل هنا. قال المسؤول «أعرف وقت الطباعة، ولكن لدينا عملية أمنية قد تنتهي قبل وقت الطباعة، أو بعدها، وقد نضيع عليكم فرصة النشر، لكن على كل حال قل لي أيهما أهم هنا السبق الصحافي، أم افشال المهمة الأمنية؟»،

اجابتي كانت «انجاح المهمة الأمنية بالطبع». قال المسؤول «إذا الأمر متروك لكم». بالفعل انتهت العملية مساء وقررنا عدم النشر يومها، ونشرنا الصورة مع القصة بعد يومين تقريبا. ولم تغب تلك القصة بملابساتها عن البال أبدا.

وكان السؤال، وما يزال، أين تبدأ حدود الأخلاق وأين تنتهي في العمل الإعلامي، وما هي حدود الأمن الوطني أو القومي؟ أعتقد أن المفتاح في الاجابة على ذلك هو بيد الجهات الأمنية، فعندما تحترم طبيعة العمل الإعلامي وتتفهمه، فإنها تشجع الإعلام على التعاون من أجل الحفاظ على أمن الناس، وهو الأهم من كل شيء.

[email protected]