انتخابات

TT

اكتظ حفل عشاء وداعي للسفير السوري في الكويت الدكتور علي عبد الكريم بمجموعة من السفراء والمثقفين. الحفل أقامه السفير المغربي ـ محمد بلعليش ـ وداعا لزميله وصديقه الشاعر والأديب الذي تبوأ موقعا تاريخيا كونه أول سفير سوري بلبنان. دار الحديث عن انتخابات الرئاسة الجزائرية، فقال أحد السفراء موجها كلامه للسفير الجزائري ممازحا: «يا سعادة السفير: هل تحتاجون مساعدة؟» فرد عليه السفير الجزائري بالنفي شاكرا، فكرر السفير عرضه: «إن احتجتم لأي مساعدة كقطع التيار الكهربائي أثناء التصويت، أو ملء الصناديق بأوراق الاقتراع مسبقا، أو ظهور فضيحة أخلاقية ومالية مفاجئة لأحد المرشحين قبل يوم من إغلاق باب الترشيح، فنحن مستعدون من باب التضامن القومي الديمقراطي وأصبح لدينا خبرة كبيرة في ذلك». تذكرت المثل: «مزاح وزرْق رماح».

سألت السفير المتضامن ديمقراطيا مع الجزائر عن انتخابات بلاده التي تجرى فيها انتخابات رئاسية: لماذا لا تسمحون للمراقبين الدوليين بمراقبة الانتخابات ما دام أنكم تقولون إن انتخاباتكم نزيهة ولا تزوير أو تلاعب فيها؟ فأجاب ممازحا أيضا: «نحن لا نمانع مراقبتهم للانتخابات من حيث المبدأ، لكنهم يتسببون في زحمة بمراكز الاقتراع ويعيقون حركة الناخبين».

أعرق الديمقراطيات لا تمانع حضور مراقبين دوليين لأنها واثقة من أن كافة إجراءاتها صحيحة، والمثل يقول في الخليج: «لا تبوق، لا تخاف»، وفي مصر يقولون: «امش عدل، يحتار عدوّك فيك».

للانتخابات قصص ونوادر في كل مكان. نوادر انتخاباتنا أحيانا كوميديا سوداء. كثيرون بيننا يتذكرون أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين قد حصل على نسبة 100% في آخر انتخابات رئاسية أجريت في عهده!

من نوادر الانتخابات في الكويت أن رجلا مسنا أميا أدلى بصوته في الصباح وعاد مساء مطالبا باستخراج ورقته من الصندوق أو بإعطائه ورقة انتخابات جديدة غيرها واعتبار ما قد وضع في الصندوق كأن لم يكن. وحين سأله من في لجنة الاقتراع عن سبب طلبه الغريب هذا أجاب بأنه قد غير رأيه في شأن من صوت له!

في الكويت مطالبات بتشكيل هيئة عليا مستقلة تشرف على الانتخابات المتوقعة خلال أسابيع. المطالبة فسرها بعضهم على أنها تشكيك بنزاهة الانتخابات بعد كثرة الطعون في الانتخابات السابقة، بينما يبررها من يطالب بها بأنها مجرد إمعان في الدقة، وتجنبا للأخطاء التي قد تقود إلى الطعون ثانية. الجزائريون سمحوا بحضور مائتي مراقب من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. لا أدري لماذا يحضر مراقبون من جامعة الدول العربية، فلا الجامعة ذات سجل ديمقراطي في اختيار أمينها العام، ولا غالبية أعضائها دول ديمقراطية! أعجبتني جرأة لويزا حنون حين ترشحت لانتخابات الرئاسة الجزائرية كأول امرأة تترشح للرئاسة في بلد عربي. صحيح بأن أملها بالنجاح مثل «أمل إبليس بالجنة» مثلما يقولون، ولكن المحاولة بحد ذاتها جريئة وتثير الإعجاب. لا يزال عالمنا العربي يرى في الانتخابات مظهرا من مظاهر الديمقراطية. لاحظ أنني أستعمل كلمة مظهر، فالديمقراطية حصرتها كثير من أنظمتنا الشمولية بصناديق الاقتراع، وهي تردد دوما: الديمقراطية لا تصلح لمجتمعاتنا. وغالبا ما يردد هذه المقولات من ارتبط موقفه بالفساد والقمع، فالديمقراطية التي تعني المراقبة والمحاسبة هي عدوه اللدود. يستشهد هؤلاء دوما بما تفرزه انتخاباتنا العربية من القوى المعادية للديمقراطية: الانتخابات كلمة مشتقة من «نخب»، وما تفرزه انتخاباتنا «متردية ونطيحة». من ينتظر أن تخرج الانتخابات نخبا فقط فسوف ينتظر إلى الأبد. صحيح أنه «ما يقلّط (يتقدم) من القوم إلا خيارها»، ولكن الديمقراطية قد تقدم نماذج تحمل عداء أيديولوجيا للديمقراطية.

العنصريون خارج عالمنا العربي يصرون بعنصرية على أننا قوم لا نصلح للديمقراطية. نتساءل: هل الديمقراطية لا تصلح لنا أم أننا لا نصلح للديمقراطية؟