إيران.. والصفقة الكبرى

TT

أدت التطورات السياسية في العراق ما بعد الغزو، إلى توسيع الدور السياسي الأمني الإيراني، مما دفع الاستراتيجية الأمريكية إلى إعادة تعريف الدور الإيراني المتنامي، بسبب موقعها الجيواستراتيجي في أزمات المنطقة، كأفغانستان، العراق، لبنان، وهذه الدول مهمة جدا للولايات المتحدة في تعاطيها لحل المشاكل الإقليمية ومكافحة الإرهاب، وتصف إيران نفسها، بأنها حافظة الأمن في لبنان والخليج العربي، وهي بدمجها للقضايا السياسية والأمنية في هذه المناطق، تسعى لتوسيع قاعدة نفوذها، مستغله مواجهتها مع الولايات المتحدة، وكما عبر عن ذلك العديد من الساسة في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن دور إيران الإقليمي المتزايد، يعيق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك مصالح حلفائها، وقد استنفذت إدارة بوش السابقة، كافة الوسائل لإيقاف النفوذ الإيراني، والتصدي بقوة للبرنامج النووي الإيراني، وترى إيران في هذه السياسات تهديدا مباشرا لمصالحها وأمنها القوميين. مما حدا بعدد من مراكز البحث في الولايات المتحدة، وفي وقت مبكر قبل انتخاب الرئيس أوباما، لدراسة تلك العلاقة الأمريكية الإيرانية الشائكة، وسبل التعامل معها، وكانت صحيفة «الشرق الأوسط» قد نشرت مقالا كتبته بعنوان «أمريكا والقوه الذكية» في 2 أغسطس (آب) 2008، تحدثت فيه عن دور مراكز البحث ((Think tanks في صياغة السياسات الخارجية الأمريكية، والدور الذي تلعبه هذه المراكز، في تعزيز البرغماتية في السياسات الخارجية الأمريكية، وبينت ما طرحهJoseph s . Nye)) الأستاذ بجامعة هارفارد وعميد كلية جون كنيدي للدراسات الحكومية سابقا، صاحب نظرية القوة الذكية، من ضرورة استخدام القوة الذكية، في التعامل مع الشأن الإيراني.

ومع قدوم الرئيس أوباما للحكم، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية، في النظر في استبدال سياستها تجاه إيران، وفقا لتلك الرؤية البرغماتية، حيث صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون مرارا، حال تقلدها لمنصبها، مستخدمة مصطلح القوة الذكية، كخيار للتعامل مع القضايا الخارجية، وخاصة مع إيران. وقد أدركت إيران أهميه مراكز البحث الأمريكية وتأثيرها في السياسات الخارجية الأمريكية ففتحت قنوات اتصال معها بغيه التأثير في تلك السياسات المتعلقة بإيران فبدأت الأوساط البحثية في إيران، بالتعاون مع مراكز البحث في الولايات المتحدة الأمريكية بعقد لقاءات وحوارات بين الجانبين لمناقشة العلاقات بين البلدين. ففي شهر مارس (آذار) الماضي، ومن مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعه هارفارد دعا Dr Kayhan Barzegar الباحث في مركز الأبحاث الاستراتيجية الإيراني (المركز كان مرتبطا بمكتب الرئيس الإيراني مباشرة حتى عام 1997 حيث ربط بمجلس الخبراء وأصبح الذراع البحثية للمجلس) إلى سياسة توازن المصالح، التي تؤمن مصالح كافة الأطراف، بغرض تغيير المفهوم السائد في الأوساط الأمريكية من أن «إيران قوية» مهددة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، كما أكد على أهمية أن تقر إيران بالمصالح الأمريكية في المنطقة، وأن الإقرار بتلك المصالح يتم على أساس كاسب ــ كاسب ( Win ــ Win ) وبذلك تحفظ إيران شؤونها الأمنية والسياسية، وتساهم في ضمان المصالح الأمريكية، دون الحاجة لوجود أمريكي دائم في المنطقة. بل أنه ذهب أبعد من ذلك، إلى تحفيز الرئيس أوباما، نحو ما أطلق عليه «الصفقة الكبرى» بين أوباما وإيران، بقبوله دورا إيرانيا، ومن ثم ضمانه لدور ونفوذ إيراني في العراق والخليج العربي، وحذر إيران من القراءة الخاطئة لسياسة التغيير التي انتهجها أوباما مع إيران، حيث يرى أن هذه تمثل فرصة نادرة لإيران لحل قضاياها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، ومنها الملف النووي الإيراني، في سبيل التحول الإقليمي لنظام أمني سياسي جديد، وبذلك تحقق هذه الصفقة، وحسب قوله، خلق «تنميه مستدامة» و«أمن مستدام» لإيران في المنطقة. فهل نرى عن قريب تلك الصفقة الكبرى. (في ظل الفراغ الأمني العربي المؤسف في المنطقة) أم أن الأطماع الإيرانية تتجاوز ذلك الدور، إلى الطموح الإمبريالي، الإيراني، العقائدي، لتكون هي المحتل للمنطقة؟

[email protected]