المثالية العابرة

TT

يتحدث كل سياسي باتقاد عن خدمة البلاد، ومع ذلك، ينظر القليل إلى الخدمة الوطنية على أنها قضية سياسية مهمة. ودائمًا ما يكون هناك ولع بنبذ مقترحات الخدمة الوطنية التي يطرحها شخص ما في حزب سياسي آخر، بدعوى أنها مبتذلة أو أنها تمثل جزءًا من أجندة عمل خفية.

وعندما دعا الرئيس جورج بوش الأب إلى صنع «ألف نقطة من الضوء» سخر الديمقراطيون من هذه الاستعارة، ونظروا إلى نداءاته للعمل التطوعي على أنها طريقة رخيصة للحفاظ على تعهده بخلق «دولة أكثر وُدًا وكرمًا».

وعندما دفع الرئيس الأميركي بيل كلينتون ببرنامج «أميريكوربس»، شجب بعض الديمقراطيين فكرة «التطوع مدفوع الأجر»، ونظروا إلى برنامج الخدمة الوطنية على أنه جهد لإيجاد جيل جديد من النشطاء التقدميين. وربما يصبح أحدهم رئيسًا ديمقراطيًا. ومع حدوث ذلك، أصبح لدينا منظم مجتمعي سابق في منصب الرئيس، رغم أن تمويل عمله الأول قد جاء من منظمة كاثوليكية، وليس من أميريكوربس. ومن المعروف أن باراك وميشيل أوباما لديهما هيام بفكرة الخدمة الوطنية، وبدون أي جلبة أو صخب، بات واضحًا أن الولايات المتحدة على مقربة من القيام بأكبر التزام لها إزاء الخدمة المدنية منذ «نيو ديل» (وهو الاسم المعروف به الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت).

وفي هذا الأسبوع، من المتوقع أن يمرر مجلس النواب مشروع قانون يقضي بزيادة مراكز الخدمة الممولة فيدراليًا إلى 250.000، وسيتجه مجلس الشيوخ قريبًا إلى التحرك إلى سن تشريع مشابه. ويقوم المقترحان على مبادرات رؤسائنا الثلاثة السابقين ـ نعم، فهذه القضية يستحق عليها الرئيس جورج بوش الابن الثقة والتقدير أيضًا ـ حتى إنها قد تقدم سلعة تحظى بالتقدير في واشنطن، إلا أنها محيرة في الوقت ذاته، ألا وهي الغالبية الكبرى من الحزبين. وفي الأسبوع الماضي، نال مجلس النواب موافقة اللجنة على المقترح بتأييد ساحق من كلا الحزبين.

ويرجع فضل هذا الإجماع جزئيًا إلى الثنائي الأكثر قوة من الحزبين في واشنطن، ألا وهما عضوا مجلس الشيوخ إدوارد كينيدي، وأورين هاتش؛ وهما الراعيان المشتركان في «سيرف أميركا آكت» (أو قانون خدمة أميركا). وقد عمل السيناتور هاتش عن ولاية يوتا الأميركية مع صديقه الديمقراطي من ولاية ماساشوسيتس كثيرًا وباحترام بالغ عندما كان يقدم مشروعات قوانينهما المشتركة ـ وأكثرها شهرة برنامج التأمين الصحي للأطفال الخاص بالدولة ـ وأصر على أن يتم عزو مشروعات تلك القوانين إليهما الاثنين، موضحًا بملء فيه أن تلك المشروعات صاغها كلاهما «كينيدي ـ هاتش، وهاتش ـ كينيدي»، في دلالة إلى أنه لا يرغب مطلقًا في أن يأتي اسم أي منهما الثاني في الترتيب.

ويعتبر العمل التطوعي جزءًا لا يتجزأ من مذهب هاتش المورموني، كما تجدر الإشارة إلى أنه هو وأولاده عملوا بالتبشير، عندما كانوا شبابًا. ومع ذلك، يتحدث هاتش أيضًا عن سلسلة كبيرة من المبادئ المحافظة، والتي تنظر إلى عقيدة الإيمان المسيحية على أنها شيء أكبر من الأسواق الحرة، والضرائب المنخفضة.

وفي الحقيقة، تتجذر فكرة الخدمة العامة في أفضل وأكثر الأشكال الشيوعية عند كلا المبدأين؛ المحافظ والتقدمي. وكما أوضح وليام بوكلي في عنوان كتاب كتبه في وقت سابق من حياته، يعد «العرفان بالجميل» نزعة محافظة، وهو إيمان بكل مساعينا الفردية، ونحن ندين للمجتمع الحر الذي عمل على تنشئتنا وأتاح لنا الفرص.

ويتساءل هاتش خلال مقابلة أُجريت معه: «لماذا يتعين على الجمهوريين المحافظين دعم مشروع هذا القانون؟» ثم عاد وأجاب على تساؤله منوهًا إلى أنه يعزز من مبدأ العون الراسخ في الجماعات الدينية والعلمانية، كما يتيح دورًا محوريًا لحكومات الولايات. وعزز دعم الحكومة المعتدلة للمتطوعين قدرة مئات الجماعات المجتمعية على النمو والقيام بالمزيد. وأفاد هاتش أن متطوعي أميريكوربس الذين كانوا في البداية 75.000 متطوع، قد «ازداد عددهم ليصبح 2.2 مليون متطوع تقليدي تقريبًا».

وفيما تعد الحكومة جوهرية، فإنه يتعين أن يتمثل أحد أدوارها في رعاية القطاع التطوعي المزدهر. ومن المعروف أنه ليس باستطاعة الحكومة وحدها حل جميع المشكلات الباعثة على الضيق لنا، كما أن مسؤوليات المواطنة تتضمن ما هو أكثر من مجرد دفع الضرائب.

ويُعرف عن جورج ميلر ـ العضو الديمقراطي في مجلس النواب، الذي يترأس لجنة التعليم والعمل بمجلس النواب، فضلاً عن أنه يتزعم جهود المجلس المتعلقة بمشروع قانون الخدمة الوطنية ـ أنه أحد الاستراتيجيين التشريعيين العنيدين، إلا أنه أصبح رقيقًا بصورة إيجابية عندما اتجه إلى وصف زيارته إلى مشروعات «هابيتات فور هيومانتي»، أو لقائه مع متطوعي «تيك فور أميركا»، أو تمضيته لبعض الوقت مع جماعات الكنيسة التي اتجهت إلى توفير الإعانة في الكوارث الطبيعية، حيث حدثني قائلاً: «إنه أحد الأشياء الواعدة في السياسة».

وعلاوة على هذا، ففي غمرة هذا الركود الكبير، وفي الوقت الذي تقل فيه الوظائف ـ خاصة بالنسبة للشباب الملتحقين بالقوة العاملة حديثًا ـ هل في الإمكان أن يكون هناك أي طريقة فعالة أخرى (أو أرخص) لتخفيض البطالة، غير الإعانات المالية المتواضعة للخدمة التطوعية؟

وعندما ينعقد مجلسا النواب والشيوخ للموافقة على مشروع القانون النهائي، يتعين أن يزيدا سريعًا عدد المتطوعين إلى 250.000 متطوع بدلاً من النمو على مدار سنوات عدة. وفي هذه الحال، ستكون المثالية هي الحليف الأفضل للواقعية.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»