عالم الجاسوسية

TT

في لقاء صحافي أجرته إحدى المجلات اللبنانية قبل سنوات مع البروفسور الأمريكي اللبناني الأصل فيليب سالم، أشار إلى أنه تلقى عرضا بعشرة ملايين دولار من المخابرات الأمريكية لقاء تقديم معلومات عن صحة زعيم عربي راحل، كما تلقى عرضا آخر مماثلا أثناء إشرافه على علاج رئيس نيجيريا السابق «أباشي»، ذلك ما صرح به فيليب سالم، وما خفي في نفوس الآخرين ـ ربما ـ أهم وأعظم.

وإذا سلمنا جدلا بما قاله ذات يوم كيم فيلبي أشهر جواسيس العالم بأن البريطانيين لا يهتمون بمعرفة آراء العرب، فإن القول لا يمكن أن ينطبق على الأمريكيين بحال من الأحوال، فالمخابرات الأمريكية يهمها معرفة كل شيء عن العرب، وغير العرب من أمم الأرض، إذ لم تتعود أن تترك شاردة ولا واردة للصدفة، فلديها الرغبة في أن تكون أول من يصل إلى المعلومة، وأول من يصنع قراراته في ضوء ما يعلم، ومنذ حادثة 11 سبتمبر الأليمة تتجنب أن تفاجأ بشيء ليس في دائرة توقعاتها، أو سابق علمها.

ورغم الكثير من المتغيرات في أمريكا منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض، وانكفائها ـ أي أمريكا ـ على قضاياها الداخلية، وهمومها الاقتصادية، إلا أن ذلك لم يلجم جموحها للمعرفة الدقيقة بكل ما يجري في العالم، سواء كان ذلك في منطقة القبائل الباكستانية، أو حتى داخل الأدغال الأفريقية، فأمريكا تدرك جيدا أن المعلومة مصدر قوة كبرى لمن يمتلكها، ولذا حينما ادعى بيعة الله محسود، زعيم منظمة طالبان في باكستان بأن منظمته مسؤولة عن الحادث الذي وقع في مركز للمهاجرين الجدد في ولاية نيويورك لم ينشغل الأمريكيون بتصريحاته، واعتبروها ضربا من الدون كيشوتية، وهم يبرئونه من التهمة، التي حاول إلصاقها بنفسه.

تقول ليفني زعيمة حزب كاديما حاليا، والجاسوسة الإسرائيلية السابقة في أوربا: «لو كلفت بالقتل أثناء اشتغالي بالعمل المخابراتي ما كنت لأتردد!»، أي أن تخوم عالم الجاسوسية قد تمتد من الحصول على المعلومة إلى الاغتيال، أو التخريب، لكن أسوأ ما في العمل التجسسي، وأكثره قذارة عمالة البعض ضد أوطانهم، وأمن مجتمعاتهم، ففي حرب الجاسوسية أو المعلوماتية بين العرب وإسرائيل، كان أسهل الفرائس، التي جندتها إسرائيل من العرب، أولئك الاشخاص ذوي الانتماء الوطني الهش، عبر إشباع بعض حاجاتهم المادية، أو العاطفية لتحولهم إلى أنوف، وعيون، وآذان تهتك أسرار أوطانها، وتخون مجتمعاتها.

وفي هذا الزمن الإلكتروني الذي تنصب فيه الكثير من أجهزة المخابرات شباكها لاصطياد عملاء جدد يصبح تعميق الانتماء الوطني مطلبا لا بد أن تحتفي به المناهج، والمنابر، ووسائل الإعلام.

[email protected]