متسول بشهادة جامعية!

TT

على ذمة خبر صحافي استند إلى تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية أن عدد المتسولين السعوديين والسعوديات في ارتفاع، وأن من بين المتسولين اثنين من حملة الشهادة الجامعية، و92 متسولة من حملة شهادة الثانوية العامة!

ولا يملك قارئ الخبر إلا أن يطلق في الهواء بعض بالونات الأسئلة:

هل هي البطالة التي تعثرنا في معالجة أسبابها؟ هل فرغ سوق العمل من توطين مختلف الوظائف العادية؟! هل دخل الفرد من التسول يفوق دخله من الوظيفة التي يمكن أن يقدمها له القطاع الخاص؟ هل هؤلاء المتسولون من حملة الشهادات الجامعية والثانوية العامة مرضى نفسيين أدمنوا التسول؟ هل انحسر التكافل في مجتمعنا؟ هل تعليمنا العام وبعض كلياتنا تخرج أفرادا لا يقدرون على فعل شيء؟ وهل رحل الفقر الكريم الذي يحول بين الفرد والتسول؟ بإمكان الفرد أن يمضي في طرح المزيد من الأسئلة التي لا تنتهي، لكن ما الفائدة من فتح باب السؤال إن افتقدت إلى مزلاج الإجابة الحاسمة.

ولست أدري ماذا فعلت إدارة مكافحة التسول بعد أن ألقت القبض على هؤلاء المتسولين والمتسولات من حملة الشهادات الجامعية والثانوية، هل اعتبرتهم مخالفين يستحقون العقوبة، أم محتاجين جديرين بالمساعدة؟ لو كنت في موقع المسؤول في المكافحة لطالبت بتعيينهم في تلك الإدارة، فهم الأقدر والأجدر على حل لغز التسول، وفهم سيكولوجية المتسول، وتحديد دوافعه من التسول، خاصة وأن أعداد المتسولين تفوق أعداد العاملين في فرق مكافحة التسول مئات المرات.

ولا بد من الاعتراف أننا نعيش عهداً بقيادة الملك عبد الله بن عبد العزيز من أبرز سماته محاربة الفقر، فهو أب الفقراء والمساكين، وعضدهم، وسندهم بعد الله، لكن معالجة أسباب الفقر تحتاج أيضا إلى أن يتحمل رجال الأعمال في القطاع الخاص مسؤولياتهم، وأن يتخلص بعضهم من نغمة مخرجات التعليم، التي يتذرعون بها في عدم توطين الوظائف، وكأنهم أنفسهم ـ أو من استقدموهم ـ خريجو كامبريدج، وهارفارد، وأكسفورد. كما يحتاج الأمر من المسؤولين، الذين تسهم أنشطة وزاراتهم وإداراتهم في معالجة أسباب الفقر أن لا يركنوا إلى قاعدة «ليس بالإمكان أحسن مما كان»، فليس ثمة ما هو أكثر خطورة من الإحساس بأنك قد فعلت كل شيء، ولم يتبق لديك شيءٌ تفعله.

وليرضى الله على مَن قال ذات يوم بعيد: «لو كان الفقر رجلا لقتلته».

[email protected]