في الأبراج

TT

برغم شغفي بالعلوم وانبهاري بها، فإنني لا أفقه عن معظمها شيئا. الفيزياء كتاب مغلق والكيمياء كتاب مغلق والرياضيات كتابها لا وجود له. لكنني أحاول دائما أن أعرف شيئا عن علم العلم. ليس حل مسألة فيزيائية ولكن على الأقل الأشياء التي تعمل بقوانين الفيزياء. وليس تركيبة المياه ولكن على الأقل أن لا حياة من دونها ولا من دون الأوكسجين. وبصرف النظر عن جهلي أو معرفتي اتجهت دائما إلى تصديق العلماء والتصفيق لهم. أدركت أن غاليليو عالم عظيم وليس رجلا خادعا يستخدم «تلسكوبا» مخادعا. وعرفت أن التلسكوب اختراع عظيم، ساعدنا على تحديد موقعنا في الكون، وأفهمنا أننا نحن لسنا مركزه على الإطلاق، وأن الأرض كوكب ثانوي أمام الشمس والشمس كوكب لا بأس به مقارنة بعظام النجوم، وأننا في جزء من الكون مزدحم بالنجوم مثل سيارات المساء في بيروت ودبي والرياض وباريس وسائر عواصم هذا الكوكب الصغير. هناك 300 ألف مليون نجم في «درب التبان» الذي نحن على طريقه. وليس التجمع المذكور سوى واحد من أكثر من 30 مليون منها. وأضيف شيئا واحدا وهو أن المسافة بين تجمع وآخر هي حوالي مليوني سنة. ضوئية طبعا.

بعد كل هذا العرض، أو الاستعراض، لمعلوماتنا الفلكية أحب أن أقول إن بين العلوم التي أجهلها، علم الفلك. لكنني كيفما تلفيت لا أرى سوى أناس تقرأ الأبراج. قل لي ما هو برجك أقل لك إن كنت تفضل الحمص على الشاورما، أو معها. إذا كنت من مواليد برج الدلو فإن حظك في الزواج من إحدى مواليد برج الجدي، معدوم. فتش عن عروسك تحت برج الميزان. وفي أسوأ الحالات جرب حظك العاثر في برج العقرب.

إذا كانت المسافة بين تجمع كواكبي وآخر، مليونا عام ضوئي، وكانت سرعة الكواكب السيارة 14 ألف ميل في الثانية، لا أدري كيف يستوقف أصدقاؤنا هذه الكواكب لكي يسألوها عن رأيها في تذوقي للحمص البيروتي المتمم، أو في مسألة التجانس الغرامي بين مواليد الدلو ومواليد العقرب. لعلني أظلم قراء الأبراج. فهو علم كما قلت لا علاقة لي به. ولن يحصل. لذلك سوف أكتفي، كلما سنحت الفرصة، بقراءة ما هو قابل للاستيعاب. أي تلك العلوم التي غيرت حياتنا من بدائيين إلى مخلوقات لائقة بالحياة التي وُهبنا. ذلك العلم الذي منع الطاعون من أن يقتل 100 ألف إنسان في ليلة واحدة. والعلم الذي صنع لنا الطرقات والمجارير التي كانت تقتل الناس بروائحها وأوبئتها وبعوضها.