الأعرابي وجوعياته

TT

تحدثت في المقالة السابقة عن الروح العنصرية والإقليمية في النكات الجوعية. من أبرز ممارسات ذلك التنكيت على أهل البادية، أو كما يرد ذكرهم في الأدب العربي بصيغة «الأعرابي». يعاني بالطبع أهل البادية بصورة خاصة من نكبات المجاعات والقحط والمحل. يقضون عمرهم بحثا عن أي واحة عشب أو حفنة ماء. وكما نتوقع، ترتبت على ذلك طرائف وحكايات كثيرة يتندر بها أهل الحواضر.

ينبهر البدوي عندما يدخل المدينة ويرى الوفرة فيها. التقى أحدهم بحضري سمين بدين فوصفه قائلا: «ما أراك غير قطيفة من نسج أضراسك!».

واستضاف أعرابي زائرا من أهل المدن وأولمه على أكلة من المرق واللحم فسأله الحضري عما يسمون هذه الأكلة فقال له نسميها بالسخين، فقال له: وماذا تسمونها عندما تبرد؟ أجابه قائلا: «وهل نتركها حتى تبرد؟».

وحاول أعرابي أن يتمدن فتناول الملعقة وأخذ يأكل بها كما فعل مضيفه فاكتوى فمه بالأكل الحار فقال: «أبعدني الله إن حكمت على فمي غير يدي، فإنها رائد حق ونذير صدق». ورمى بالملعقة جانبا وأنشب يديه بالطعام.

وعلى نهج ذلك، جلس أعرابي في مأدبة أمير ضمت صحنا من الفالوذج. و كان الأعرابي قد ابتلع كل ما على الخوان من الطعام. فحذره الأمير ألا يمد يده إلى الفالوذج، «إن أكلت من هذا خرزت رأسك». نظر الأعرابي إلى الطبق الشهي فلم يستطع مقاومة إغرائه. فمد يده أخيرا إليه وقال: «أوصيك بصبيتي خيرا». والتهم ما في الصحن من الحلوى اللذيذة.

وجاء في «عيون الأخبار» أن أعرابيا دخل المسجد فيما كان الإمام يخطب بالناس. لم يفهم من كلامه شيئا، فسأل من كان بجانبه عما كان يتكلم. فأجابه أنه يقول: إن الأعراب ما إن يأكلوا حتى يأخذوا معهم شيئا من الطعام. وهو ما يفعله الكثير من مثقفي زماننا هذا. فمشى الأعرابي نحو المنبر وقاطع الخطيب قائلا: «يا هذا إن الذين يفعلون ذلك هم من سفهائنا».

بيد أن الأدب العربي كثيرا ما أثنى على ذكاء الأعراب وفطنتهم. ومن ذلك أن أعرابيا زار حضريا وكان للحضري امرأة وابنان وبنتان. طبخوا له دجاجة، دفع الحضري بها لضيفه ليسخر منه فقال: اقسمها بيننا. فأخذ رأسها وأعطاه للمضيف قائلا: «الرأس للرئيس». ثم قطع الجناحين وأعطاهما للولدين. «ابناك جناحان لك فلهما الجناحان». ثم قطع الساقين وأعطاهما للبنتين. «بنتاك ساقاك. فالساقان لهما». ثم قطع العجز وأعطاه للمرأة. «العجز للعجوز». ثم أخذ الباقي لنفسه وقال: «الزور للزائر».

يمضي صاحب كتاب الأذكياء فيروي كيف أن الحضري حاول أن ينتقم من ضيفه في اليوم التالي في وليمة أخرى من الدجاج فلم يفلح وفاز البدوي بحصة الأسد منها.

www.kishtainiat.blogspot.com