مع أصدقاء مثل بيلوسي..

TT

ما زال الوقت مبكرا، فلم يمر بعد ثلثا الأيام المائة الأولى من الرئاسة، ويتوخى جميعنا الحذر كي لا نصدر أحكاما أو توقعات ملحة. ولكن حدث ما يكفي، لذا يمكنني، بدون أن يساورني خوف من أن يسخر مني التاريخ يوما ما، أن أقول إن نانسي بيلوسي قد حققت بداية رائعة. أما الرئيس، واأسفاه، إنه قصة أخرى.

لقد كتبت قصة شخصيتين سياسيتين بارزتين أخيرا عندما أبلت بيلوسي بلاء حسنا في مجلس النواب الأميركي وطرحت مشروع قانون يفرض ضرائب كبيرة على الأشرار في أميركان إنترناشونال غروب الذين حصلوا على مكافآت هائلة. ويعد استخدام مجموعة قوانين الضرائب لفرض عقوبة محددة لأسباب سياسية سياسة سيئة وقانونا سيئا أيضا، فلماذا لا يخضع أصحاب محلات الأسلحة وشركات صناعة السجائر لفئة المائة في المائة؟ ولكن جاء الأمر من خلال فرع بيلوسي في الحكومة بدون عقد جلسات استماع وبعد كلمات قليلة مثبطة، ولكن جاءت إشارة بسيطة من الرئيس بأن مشروع القانون فكرة سخيفة فعلا.

وكانت الضغوط من أجل تمرير التشريع كبيرة. وفي غضون يوم واحد فقط، تحول تشارلي رانغل، رئيس لجنة الطرق والوسائل في مجلس النواب، من معارضة الفكرة إلى تقديم مشروع القانون ذاته الذي رفضه في البداية. وكان رانغل يمتلك مخزونا من العبارات الجاهزة، عن الأحلام المحطمة ورؤساء الشركات الجشعين، وكان هذا صحيحا تماما، ولكنه كان على صواب عندما قال في البداية إن قوانين الضرائب يجب ألا تستخدم كـ«سلاح سياسي». ومع هذا التحول إلى النقيض بـ180 درجة، من الإعجاز أن الأمر لم ينته به مصابا بكسور.

أما بالنسبة لأوباما، في الوقت الذي كان مشروع القانون غير الحكيم يدور في الكونغرس وكانت بيلوسي تظهر على شاشات التلفزيون، ذهب الرئيس الهادئ إلى برنامج جاي لينو. وكان ظهوره تاريخيا، ولكنه كان من المفيد له أيضا أن يكون خارج المدينة. وسريعا ما أصبح الكونغرس أكثر الأصول السامة في واشنطن، حيث كانت القيادة الديمقراطية تهدد بإرسال مشروع قانون سيئ إليه قد يكون من الصعب للغاية معارضته.

ومع أصدقاء مثل هؤلاء..

في بداية تولي الإدارة مهامها، سمح البيت الأبيض للكونغرس بكتابة مشروع قانون خطة التحفيز التي تبلغ قيمتها 787 مليار دولار. وكان سيئا بما يكفي أن المرشح الذي وعد بإحداث التغيير لم يجد خيارا آخر سوى تقديم الدعم لبعض من أكثر المؤسسات الملعونة أو القديمة في البلاد، من الشركات المالية وشركات السيارات وغيرها، ولكن الأسوأ هو أن مشروع القانون جاء ومعه المزيد من الإنفاق. وسمح ذلك للجمهوريين بالوقوف كمعارضين قدامى متحمسين ضد منح الأموال الحكومية، مطلقين سحابة سامة من النفاق تنتقل من الكونغرس حتى البيت الأبيض. ولم يكن هذا مناخا جديدا من التغيير ولكنها الأجواء التجارية الثابتة كالمعتاد.

وحدث شيء ما مشابه في مشروع قانون الإنفاق الشامل الذي تبلغ قيمته 410 مليارات دولار. فتم السماح بوجود مخصصات مالية. ولم يكن هذا مشروع قانون الرئيس، لأنه بدأ أصلا في ظل الإدارة السابقة، ولكن لم يكافح أوباما المخصصات ولم يبد مستاء منها، بل وتلفظ بها في مؤتمره الصحافي. لقد وجدت رئيسة مجلس النواب، كما هي عادتها، طريقها، ومن جديد، توقفت مركبة التغيير بجوار مشهد خلاب، في انتظار الفرصة الملائمة للوصول إلى واشنطن. ولكنها تأخرت بالفعل.

لقد بدأت شعبية الرئيس في التراجع في استطلاعات الرأي. وفي الشهر الماضي، حقق أوباما شعبية بنسبة 64 في المائة. وفي الشهر الحالي وصلت شعبيته إلى 59 في المائة. ولكن الأكثر أهمية، أن داهية ناشونال جورنال تشارلي كوك أشار إلى أن المستقلين سياسيا يتجهون حاليا إلى الجمهوريين. وكان من المؤكد وقوع بعض هذه الأحداث، ولكن جاء بعض منها نتيجة لبقاء أوباما غير مميز، يعرف بأصدقائه أمثال بيلوسي أكثر من أعدائه مثل الحزب الجمهوري.

وفي السياسة الخارجية، حيث يكون الرئيس هو الملك، أصبح أوباما وكيلا للتغيير. ولكن في الشؤون الداخلية، أصبحت صورة أوباما مشوشة. وتظل شعبيته أكبر من مصداقيته. أين يضع الخط الفاصل؟ ليس عند الإهمال في تسديد الضرائب، وليس في أموال المخصصات، وليس في الإصلاح الحقيقي للمدارس الذي كان يدافع عنه ولكنه فعل القليل من أجل تحقيقه. في بعض الأحيان يقول إنه غاضب، كما حدث مع مكافآت أميركان إنترناشونال غروب، ولكنها وقفة أبوية لخداع الأبناء وليس شعورا حقيقيا. إن أوباما يتجنب السياسة الرمزية.

ولكن الأمر ليس كذلك مع بيلوسي. إنها رئيسة قوية لمجلس النواب، وهي صاحبة أيديولوجية وبراغماتية، تعتز بامتيازاتها وتحافظ على نفوذها، تشبه نيوت غينغريتش أكثر من كونها مثل رؤساء مجلس النواب السابقين من الديمقراطيين، ولكن رسالتها ليست برسالة تغيير. ولا زال الوقت مبكرا، ولكنها تركت بالفعل بصمتها على الحكومة، وفي إطار ذلك أيضا، على صورة أوباما.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»