مساهمات معفية من الضرائب تقوي النزاع في الشرق الأوسط

TT

منذ عدة أعوام تتبنى الولايات المتحدة سياسة معارضة لاستخدام أموال المساعدات في عمليات تمويل المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية، حيث تنظر الإدارات المتعاقبة إلى هذه المستوطنات على أنها عقبة أمام السلام. بيد أن المنظمات الخاصة في الولايات المتحدة ما فتئت تقدم مساهمات معفية من الضرائب لنفس الممارسات التي تعارضها الحكومة.

لا يوجد شيء غير قانوني فيما يتعلق بالمساهمات الخيرية التي تقدمها المؤسسات المؤيدة للمستوطنات، وهو ما يتم توثيقه في سجلات خدمة العوائد الداخلية. هذه المساهمات مثلها مثل التبرعات المعفية من الضرائب التي تعطى للآلاف من المؤسسات الأجنبية في مختلف أنحاء العالم عن طريق هيئات غالبا ما توصف بـ«الأصدقاء الأميركيين» لـ«الكيان المستفيد».

ولكن، يتساءل منتقدو المستوطنات الإسرائيلية عن السبب الذي يجعل دافعي الضرائب الأميركيين يدعمون بصورة غير مباشرة، من خلال المساهمات المعفية من الضرائب، شيئا تستنكره الحكومة. وبالبحث في سجلات خدمة العوائد الداخلية نجد أن هناك 28 مؤسسة خيرية أميركية قدمت تبرعات بلغت في مجملها 33.4 مليون دولار في صورة مساهمات معفية من الضرائب للمستوطنات والمؤسسات ذات الصلة خلال الفترة من 2004 إلى 2007. ويقول أوري نير، وهو متحدث باسم منظمة «أميركيون من أجل السلام الآن»، المعارضة لبناء المستوطنات: «هذه قضية لم تحظ بالاهتمام الذي تستحق. لا أدري كم عدد الناس، بما فيهم الحكومة الأميركية، الذين يدركون مدى التمويل الأميركي الخاص للمستوطنات... كل دولار يقدم إلى المستوطنات يجعل تحقيق السلام في الشرق الأوسط أمرا أكثر صعوبة».

وكان لإدارة أوباما مواجهة مبكرة بخصوص المستوطنات عندما قامت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بزيارة إسرائيل خلال الشهر الماضي. انتقدت هيلاري عمليات الهدم التي تقوم بها إسرائيل لمنازل الفلسطينيين في منطقة سلوان الموجودة داخل القدس، وهي تقع مباشرة أسفل جدران المدينة القديمة. وقالت وزيرة الخارجية: «من الواضح أن هذا النوع من النشاط ضار»، ولكن رد عمدة القدس نير باركات بالقول بأن كلينتون أخطأت وأن المنازل الفلسطينية بُنيت بصورة غير قانونية.

إحدى المؤسسات الإسرائيلية التي تزعمت عملية تنمية هذه المنطقة التي تقع في القدس الشرقية هي مؤسسة «مدينة داوود». وكما هو الحال مع المؤسسات الأخرى التي تدعم المستوطنات، تبذل المؤسسة جهدا فعالا لجمع التبرعات في الولايات المتحدة. وحسب ما أظهرته استمارة 990s التي أرسلت إلى خدمة العوائد الداخلية، فإن أصدقاء مؤسسة «مدينة داوود» قاموا بجمع 8.7 مليون دولار خلال عام 2004، و1.2 مليون دولار في عام 2005 و2.7 مليون دولار خلال عام 2006.

وطبقا لسجلات خدمة العوائد الداخلية، فإن الهدف الأساسي للمؤسسة هو: «بناء صندوق خيري لتوفير المساعدات المالية وغيرها من المساعدات المعقولة لإفادة المواطنين اليهود في المدينة القديمة من القدس. وتعليم تاريخ وآثار مدينة القدس التوراتية. وتقديم المساعدات والعون لعمليات التعليم والإسكان وإعادة التأهيل للمباني المتهدمة».قال مسؤول أردني بارز في مقابلة أجريت معه أخيرا إن المؤسسات الإسرائيلية المؤيدة لبناء المستوطنات مثل مؤسسة «مدينة داوود» تسعى إلى تغيير الشكل الديموغرافي للقدس الشرقية، حتى يكون حل الدولتين مع تشارك حكومتين إسرائيلية وفلسطينية في القدس أمرا مستحيلا.

وتعد الخليل منطقة أخرى مثيرة للجدل حصلت المستوطنات فيها على منح كبيرة معفية من الضرائب من أميركا. وحسب ما أفادت به سجلات خدمة العوائد الداخلية، فإن صندوق الخليل تبرع بـ860,637 دولارا خلال عام 2005 و967.954 دولارا خلال عام 2006 لصالح «الخدمات التعليمية والاجتماعية». ويشير بيان رسالة الصندوق الموجود على شبكة الإنترنت إلى أن ذلك لصالح المستوطنين الإسرائيليين داخل المدينة. وحصلت مستوطنة كيريات أربا الموجودة بمدينة الخليل على 730,000 دولار خلال عام 2006 من مؤسسة يطلق عليها الأصدقاء الأميركيون لمدرسة يشيفا العليا بمستوطنة كيريات أربا.

في المعتاد، تحدد المؤسسات الخيرية الأميركية أن منحها تذهب إلى مؤسسات خيرية في إسرائيل، على الرغم من أن الحاصلين عليها يكونون في الضفة الغربية، التي تنظر إليها الولايات المتحدة على أنها منطقة محتلة. وعلى سبيل المثال، تقول مؤسسة «الأصدقاء الأميركيون لكلية يهودا والسامرة» إن تبرعاتها سوف «تقدم من أجل التوسعات واحتياجات المؤسسات التعليمية في إسرائيل»، على الرغم من أن الكلية في مستوطنة أريل. وبالمثل تشير سجلات أخرى عن منح قدمت إلى «إلون مويا، إسرائيل» و«غوش إتزيون، إسرائيل» و«كارني شومرون، إسرائيل» و«إفرات، إسرائيل» و«بات عيين، إسرائيل» على الرغم من أن جميعها مستوطنات في الضفة الغربية.

وقد جاء في تقرير عام 2005 لخدمة البحث بالكونغرس: «تقول الولايات المتحدة إن المساعدات الأميركية لا يمكن أن تستخدم في المناطق المحتلة». وظهرت هذه القضية إبان الخلاف الذي كان عام 1992 على استخدام ضمانات القرض الأميركي. وأشارت قصة نشرت في صحيفة «نيويورك تايمز» في 25 يناير (كانون الثاني) من عام 1992، إلى أن وزير الخارجية جيمس بيكر حذر السفير الإسرائيلي من أن «الإدارة لن توافق على السياسات الإسرائيلية التي تعارض في جوهرها مبادئها الخاصة والسياسات التي أقرت منذ فترة طويلة».

ومن المحتمل أن يزداد الخلاف الأميركي الإسرائيلي على المستوطنات في الوقت الذي شكلت فيه إسرائيل حكومة جديدة محافظة برئاسة بنيامين نتنياهو. وفي الواقع، فإن الرجل الذي اختير لشغل منصب وزارة الخارجية افيغدور ليبرمان، يعيش في مستوطنة بالضفة الغربية اسمها نوكديم، شرق بيت لحم.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»