قرصان لبنان

TT

المنطق الذي ساقه حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني في تبريره لاتهامات النيابة المصرية له وللشبكة التي أرسلها إلى مصر لا يختلف كثيرا عن تبريرات قراصنة الصومال لأعمال اختطاف السفن في عرض البحر والمساومة على الحصول على فدى مالية مقابلها. فالاثنان يشتركان في عدم رؤية أي خطأ فيما يفعلانه، حتى لو كان ذلك مخالفا للقوانين والأعراف وعلاقات الدول ببعضها، فالقراصنة لا يرون غضاضة طالما أنهم في حاجة إلى أموال في اختطاف السفن والرهائن وابتزاز الدول والشركات، ونصر الله لا يرى غضاضة في التهريب وإرسال العملاء إلى دول أخرى وتجنيد شبكات واستخدام الأنفاق في حالة مصر، والمنافذ الحدودية غير الشرعية في حالة لبنان، وكل ذلك تحت شعار المقاومة، والجميع يعرف من يدفع فاتورة أو شيكات تمويل كل هذه الأنشطة.

وإذا كانت حالة قراصنة الصومال مختلفة قليلا لأنهم يعيشون في دولة نسيها العالم، وانهارت حكومتها المركزية وسيطر عليها لفترة طويلة أمراء حرب يتصارعون على أطلال البلد، بينما الناس لا يجدون وسائل العيش الكريم، وبالتالي فإن الخروج على القانون يصبح ظاهرة طبيعية، فإن الحال مختلف في لبنان، فهناك دولة لها مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية، وهو بلد في دائرة الضوء والاهتمام العالمي، ولديه أسس قوية لاقتصاد نشط، ومع ذلك يصر نصر الله وحزبه على القرصنة على هذه المؤسسات واختطاف البلد منها لإدخاله في معارك لم تتفق عليها الأطراف الأخرى التي يقول إنه شريك شرعي لها في العملية السياسية في لبنان.

مشكلة قيادة حزب الله، وبالتحديد نصر الله، أنه لا يرى خطأ فيما فعله، فقد اعترف في خطابه عمليا بجوهر الاتهامات التي ساقتها النيابة المصرية، لكنه لم ير عيبا في إرسال عناصر من حزبه لتنظيم شبكة والعمل اللوجيستي على حد تعبيره، وهو نمط تفكير يعكس حالة شخص لم تسمح له الظروف بتجاوز أفق الحرب الأهلية في الشوارع والأزقة، وثقافة الحارة والحي والطائفة، حينما يصبح الانشغال اليومي هو الخناق مع الجيران في الشرفة المواجهة.

وفي إطار هذه الثقافة يتم تجاهل أن الدول تتعامل مع الخارج من خلال وزارة خارجيتها وحكومتها ورئاستها، وليس من خلال زعيم حزب يسمح لنفسه بالخروج على شاشات التلفزيون ومهاجمة دول وزعماء والتهجم عليهم، والتفاخر بأنه أرسل عملاء، وهو بذلك تعدى على سيادة الدولة التي ينتمى لها، قبل أن يعتدي على سيادة الآخرين.

فالجميع يعرف أن لبنان له ظروف وتركيبة خاصة، وبالتالي فإن الحسابات معه تختلف عن الحسابات مع الدول الأخرى كاملة السيادة، فعندما يحدث اعتداء من مواطن أو تنظيم أو حزب في دولة معينة على بلد آخر، فإن الدولة المتضررة تخاطب مباشرة سلطات الدولة المعنية وتحملها مسؤولية اتخاذ الإجراءات القانونية والملاحقة باعتبارها مسؤولة عن رعاياها، ومسؤولة عن الأعمال العدائية التي تصدر من أراضيها إلى الآخرين.

وفي حالة نصر الله، فإنه لا بد أن يكون هناك من يقول له داخليا في لبنان إن ما يفعله عيب، وإنه يحرج الدولة، فإذا كان يريد طرفا شرعيا في العملية السياسية، فيجب أن يتصرف كسياسي يحترم القوانين، وليس كزعيم قراصنة يفعل ما يراه بدون حساب لقوانين أو أعراف أو حدود، وفي حالة القضية الحالية في مصر والتي أبدى نصر الله رغبته في خطابه في أن تعالج بأسلوب هادئ أو بعبارة أخرى تسوية من تحت الطاولة، فإنه لا يزال يفكر بطريقة زعماء الميليشيات الذين يتقاتلون ثم يسوون خلافاتهم على حساب الناس والدم الذي أريق من تحت الطاولة.