نعي مستعجل.. ونعي مستأخر

TT

ألقى الدكتور فهد العرابي الحارثي، في النادي الأدبي في الرياض، محاضرة عنوانها «الثقافة الأفقية وموت النخبة»، وقد حضر عدد غفير من المثقفين إعلان النعي الحاسم. وبعد أربعة أيام كتب الزميل داود الشريان، في «الحياة» يشكو من طول أعمار المثقفين، ويدعوهم إلى الانصراف: «المثقفون والشعراء والفنانون والروائيون والكتاب والإعلاميون الذين ذاع صيتهم في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، يسيطرون على الساحة الثقافية العربية حتى اليوم. هم نجوم الشاشات والصحف والمهرجانات والمناسبات».

قال الأمير سعود الفيصل، قبل أشهر، ردا على إشاعة لعينة: «خبر موتي مبالغ فيه». وكذلك النعي الذي أصدره الدكتور الحارثي، واستعجال النعي الذي لوح به الزميل الشريان. فالحقيقة أن هذه العادة، أو الظاهرة السيئة، المتمثلة في بقاء الفنانين والمثقفين، عامة لا علاقة لها بالعرب. فقد ظل جان بول سارتر، يقود الشباب الفرنسي حتى لحظة وفاته، وظل ألمع اسم في الآداب الفرنسية. وظل برتراند راسل، ألمع عقل بريطاني معاصر حتى دفنه هو وعقوده التسعة ومؤلفاته في الفلسفة والرياضيات وجماليات الحياة. ولا يزال غابرييل غارسيا ماركيز، ألمع وأشهر وأهم كاتب أميركي لاتيني برغم تجاوزه الثمانين، ولا تزال بعض أعماله تدور على الصبا والجمال.

أنشأت فرنسا منذ قرون أكاديمية عليا لتكريم الكتاب والأدباء عندما يكبرون ويعظم نتاجهم. واختار جون كينيدي، أعتق وأعظم شعراء أميركا الأحياء ليلقي قصيدة في حفل تنصيبه.

أما الفنانون، فإن فاتن حمامة، التي بدأت بدور طفلة ثم أدوار الحب، فهي تمثل منذ سنين طويلة دور الجدة. وأما الشعراء فهم لا يزالون يسيطرون من خلف الأضرحة. ولا أعتقد أن نزار قباني، أو بدر شاكر السياب، أو أحمد رامي، هم الذين «يغيبون» الأجيال الجديدة، التي يريد أخي داود ظهورها.

نحن نعرف من هم أعلام الستينات والسبعينات، لكننا لا نعرف من ظلموا ومن غيبوا. نعرف فيروز في الغناء. ونعرف أن أحدا وبرغم كل «المؤامرات» لم يستطع أن يغيب علاء الأسواني، ولا أن يطمره. ونعرف أن عمالقة الثقافة والنقد والشعر، الذين غابوا في مصر، لم يبلغ أعتابهم بعد. فعندما يظهر لويس عوض آخر لن تستطيع غيمة هزيلة أن تحجبه. وعندما يظهر في لبنان سعيد فريحة آخر سوف يخرج الناس إلى الطرب على إيقاع كلماته. ويا أخي داود، أليس بروزك نقضا لما تفضلت؟ أطال الله في عمرك.