اضبط: غلطة فلكية!

TT

ترددت كثيرا. هل أكتب خطابا لإدارة مرصد (جودرل بانك) في بريطانيا. ترددت لأنه من أكون أنا حتى اكتشف غلطة أو قفشة؟ ولكن قلت لنفسي: وإيه يعني إنهم لا يعرفوني. فسوف يقولون: قارئ مغرور أو تلميذ صغير. لا يعرف ما يقول. ولا مانع من تشجيعه على أن يكتب ويلاحظ. وفي نفس الوقت لن نكسر خاطره.

وقلت: إنني لاحظت أنكم عندما تحدثتم عن الهيئة الفلكية هذا الشهر أو الليلة قلتم (الآن). وهي كلمة ليست في موضعها فليس في علوم الفلك الآن أو اليوم وهذه اللحظة.. والسبب معروف. وهو إننا إذا نظرنا إلى السماء فسوف نرى نجوما صغيرة سواء بالعين المجردة أو في أحد المراصد، فالصورة التي نراها قد استغرقت عشرات أو مئات أو ألوف السنين حتى تصل إلينا. فالصورة ليست (الآن) أو (اليوم) .. تماما كما أن (مرصد هابل) المداري قد أتى لنا بالصورة التي أعقبت الانفجار العظيم من 13 ألف مليون سنة. صحيح أن هذه الصورة قد وصلت (الآن) ولذلك فالهيئة الفلكية ليست (الآن)..

وبس. طبعا هذا الكلام لا يصح أن يقال من واحد مثلي، لا هنا ولا هناك. لهيئة عظيمة الشأن. فالذي أكتبه تطاول وغرور. ولكن قلت: إيه يعني. وفي النهاية سوف أتلقى خطابا من مسئول كبير يقول لي فيه: أنت غلطان أو أنت على حق.. أو شكرا. وتكفي كلمة شكرا..

ولي تجربة لا أنساها فقد كتب أستاذنا عباس العقاد مقالا عن (مسرح العبث) يهاجمه طبعا. لأن العقاد ينتسب إلى مدرسة التحليل المنطقي والعبث عكس المنطق. ثم جاءت في المقال كلمة لم أقرأها من قبل. وهي كلمة يونانية وأنا درست اليونانية القديمة والعقاد لم يدرسها. ففكرت في أن أطلب الأستاذ وأنبهه.. ووجدت حلا آخر وهو أن أحدث ابن أخيه وسكرتيره عامر العقاد. ونقل عامر العقاد هذه الرسالة. وجاءني الرد: قل للسيد أنيس أن يقرأ كتاب فلان الفصل السابع وسوف يجد هذه الكلمة عنوانا، وكان العقاد على حق.

فلا أتوقع من هيئة مرصد (جودرل بانك) مثل هذا الرد الخشن.

وبعد شهرين جاءني خطاب فخم وعليه اسم المرصد العظيم. وفي الخطاب تحيات وشكر وامتنان وهذه العبارة: شكرا لك!

وأعتقد أنهم مجاملون جدا. لأنه يمكن أن نقول إن هذه هي الصورة التي جاءت (الآن).. أي جاءت بعد مئات أو ألوف السنين. فالحق معهم ومعي أيضا. ولكنهم في غاية الأدب!