ما بعد القمة العربية.. هل نشهد ميلاد مشروع عربي؟!

TT

رغم وجود الكثير من المعطيات، إلا أنه لا أحد يعلم على وجه اليقين شكل التحولات القادمة في المنطقة، لا سيما وأن هنالك ثمة استحقاقات قادمة لا يلبث أن ينعكس تأثيرها على ملفات المنطقة العالقة والشائكة في آن.

ولعل هذا ما جعل القمة العربية في الدوحة تأخذ حيزا وزخما لافتا، كونها جاءت في ظروف استثنائية، دفعت المشاركين فيها إلى أن يتحملوا جزءا من المسئولية رغم أن المحصلة النهائية لها لم تكن بالمستوى الذي تتطلع إليه الشعوب.

ومع ذلك تبقى نتائج القمة خطوة في الاتجاه الصحيح من أجل مراجعة عربية لتأسيس مشروع عربي يواجه المشاريع الأخرى في المنطقة، وهي بلا شك مخاطر وتحديات لم تعد تنطلي على أحد.

لقد كانت خطوة خادم الحرمين الشريفين تهدف إلى إنقاذ العمل العربي المشترك من الانحدار في الهاوية، وإدخاله في غرفة النقاهة، متجاوزا الانقسامات والخلافات فاتحا الباب على مصراعيه، ليدشن مرحلة جديدة في إدارة الأزمات العربية ـ العربية، لا سيما وأن المملكة قدمت ورقة مهمة ومفصلية، تضع بنودها آليات محددة في التعامل مع اختلافات وجهات النظر حول القضايا مما لا يفتح المجال لإحداث شرخ في العلاقات، وهي النقطة التي استفادت منها بعض القوى لتحقيق مصالحها فضلا عن تعميق الانقسام.

إن التحرك السعودي، وبلا مواربة، يهدف لاحتواء الأزمات وانتهاج سياسة الحوار وتفعيل الاتصال مع كافة الأطراف والوقوف منها على مسافة واحدة، من أجل حماية المصالح العربية، وهنا تكمن فكرة المصالحة التي أطلقتها السعودية لأنها ترى فيها وسيلة وليست غاية، مما يؤسس أرضية لتفاهمات مستفيضة حول الملفات وهذا كفيل بتوحيد المواقف العربية ووضعها على الطريق الصحيح طالما توفرت الإرادة السياسية لدى كل الأطراف.

وبالتالي فإن التفاعل السعودي لم يأت من فراغ، فالتوتر الذي صنعه الغزو الأمريكي للعراق، ألقى بتداعيات سلبية على الوضع الإقليمي، فضلا عن اختلال توازن القوى في الخليج بعد خروج العراق وظهور المد الإيراني بسياسته التصعيدية. على أن السعودية قد حذرت مرارا من خطورة الطرح الطائفي بالمنطقة، وأن التوترات التي تمر بها المنطقة تؤثر سلبا على أسواق النفط، ودائما ما تؤكد أن ضمان استقرار الخليج ضرورة استراتيجة وليس خيارا.

ولذا عندما أتأمل مضامين هذا المشروع العربي تجاه قضايا المنطقة، أجد أنه يريد العراق دولة موحدة ومستقرة ودستورا يضمن مشاركة ومصالح كل الأطراف وتوزيعا عادلا للثروة دون تأثيرات أو تدخلات خارجية.

كما أنه يريد أن يرى لبنان دولة تسيطر على كافة أراضيه، وترسخ السلم الأهلي مستندة على الدستور والشرعية واتفاق الطائف، وأن لا تتحول إلى ورقة ضغط أو ساحة مساومة لهذه الدولة أو تلك.

كما أن هذا المشروع، في تقديري، يرفض الإملاءات والضغوط، وأنها لن تؤدي إلى نتيجة فاعلة، وأن على الولايات المتحدة أن تتعامل معنا بالاحترام والحوار والندية، وأن تكون راعيا محايدا لعملية السلام وليست منحازة وداعمة لإسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين، وطالما أنه لم يتغير الدور الأمريكي في المدى المنظور، فانه لا سبيل للحديث عن عملية التسوية، لأن النتيجة ستكون تعزيز الكراهية للغرب وتفاقم ظاهرة التطرف وإضعاف دول الاعتدال. وهنا يجب القول بأنه رغم أن السعودية هي التي تقدمت بالمبادرة العربية لحل الصراع العربي الإسرائيلي، فإن هذا لا يعني أنها ستبقى طويلا على الطاولة كما قال خادم الحرمين الشريفين، وأن على إسرائيل أن تختار ما بين السلم أو نقيضه، وهي رسالة تحذيرية لتل أبيب والبيت الأبيض. ولذا أعتقد أن على إسرائيل أن تلتفت بشكل جدي إلى المبادرة العربية، لأنها في تقديري هي الأمل لخلق الأمن في إسرائيل وإنهاء دائرة العنف، وبمجرد تطبيق المبادرة العربية من قبل إسرائيل فإن السعودية هي القادرة بإعطائها الشرعية والاعتراف الإقليمي.

لقد لعبت السعودية دورا فعالا ومحوريا على مدار العقود الماضية مابين دعم سياسي متجدد ودعم مادي مستمر للقضية الفلسطينية، وهذا يكشف لنا أنها تدعم كافة القضايا العربية وعدم إتاحة المجال لوجود فراغ يمكن أن تملؤه أطراف إقليمية أخرى، تخطف القضايا العربية من أجل أجندتها الخاصة.

إن على إيران إبداء حسن النوايا وبناء الثقة مع دول الخليج وتدخل معهم في حوار بل وتعاون وشراكة تؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الأمن والاستقرار، وأن يكون دعمها للقضايا العربية عبر الشرعية وليس من خلال حركة أو حزب.

أعتقد جازما أن هذا المشروع العربي سيرى النور إذا ما توفرت الرغبة الجادة من كل الأطراف، والبناء على مبادرة المصالحة العربية للخروج بمواقف توافقية إزاء الملفات الشائكة، وسيهدد بقاء المشروعين الإسرائيلي والإيراني، وهي بلا شك مهمة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة، فالنجاح مرهون بتوفر الإرادة، وفي الإرادة يكمن النجاح!