«الاستقالة» خير من النوم!

TT

الكاميرا لا تكذب ولا يمكن أن تجمل حين تلتقط مشاهد نواب البرلمان أو الوزراء أو أعضاء الوفود وهم يشاركون في مناسبات مختلفة، وفجأة يغطون في سبات عميق جدا في مشهد أقل ما يوصف بأنه مثير للشفقة والضحك. شاهد كثيرون وزير المالية الياباني وهو يتثاءب ويغالب النعاس ويغفو خلال مؤتمر صحفي مهم، ومن كثرة ما تلقاه من النقد القوي وجراء الخجل الذي أصابه وفقدان ماء الوجه بشكل واضح قدم الوزير استقالته واعتذر للشعب الياباني عما بدر منه. ثقافة الاستقالة مغيبة عن الواقع الإداري العربي اليوم. فالشخصية التي تصل لمنصب قيادي تنفيذي بارز تعتقد فورا أن هذا هو «حقها» المكتسب الذي وصلت إليه بعد «جهد وصبر ومثابرة» وبالتالي فكرة التنازل عن ذلك لأي سبب من الأسباب (مهما كان منطقيا وجادا ومحقا) هو ضرب من المستحيل والخيال. وطبعا التنازل عن المنصب وفسح المجال لكفاءة أفضل وأجدر ليس محصورا في مسألة النوم في المناسبات الرسمية بالتأكيد، ولكنه يشمل التعامل مع تحديات ومتطلبات المنصب والمهمة المناط بها. المواطن العربي بات لديه تيرمومتر مرهف وشديد الحساسية في معرفة وتقدير من يعمل وينتج ومن غير ذلك، وبالتالي بات من الصعب جدا «خداعه» وإقناعه بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وأن الجود بالموجود، وغيرها من الأمثلة السلبية والمتوجسة. عندما يخرج مسؤول في دولة عربية ويشرح دور وزارته في تصديه لمشكلة ما والحلول التي طرحها لمواجهة المشكلة ويختم بقوله: «أظن هذا كافيا.. فماذا تريدون أكثر من ذلك؟». هذه العقلية والذهنية في التعامل ما بين المسؤول والمواطن، وهي دارجة وليست بالشاذة أو الغريبة، أصبحت سمة أساسية في أكثر من دولة عربية ونتاج غياب مقومات ومنظومة الحكم الرشيد.

يستطيع هذا المسؤول وغيره التفوه بهكذا عبارات والنوم في «العسل» لأنه ضامن عدم المساءلة وبالتالي عدم المحاسبة بأي شكل من الأشكال. الإخفاق الإداري في الأجهزة التنفيذية بالحكومات العربية لم يعد فقط معيقا لطموحات وخطط التنمية والاستثمار ولكنه بات أرضا خصبة للفساد والمحسوبية بشكل واضح الذي حول الكثير من الجهات إلى مرتع للمحاسيب والأنصار نتاج غياب العين الرقيبة. الاستقالة في حالة الإخفاق ليست نهاية المطاف بل هي رد اعتبار أدبي للعامة من المواطنين الذين «يتبعهم» هذا المسؤول ويخدم ويرعى مصالحهم.

هذا هو المفهوم الأخلاقي للعلاقة بين صاحب المنصب والمواطن. وهناك هوة مهولة نتاج انعدام الثقة بين الأجهزة الحكومية والقائمين عليها في العالم العربي وبين المواطن ازدادت وتفاقمت عبر السنين نتاج الإخفاقات الكبرى والأحلام الوردية والطموحات التي لم تتحقق، كل ذلك ولد حالة من السلبية وعدم القدرة على تصديق كل الوعود مهما كانت جميلة ووردية. لا مجال لتغيير ذلك سوى بمنظومة عادلة وسوية للثواب والعقاب «تحترم» فيها عقلية المواطن وجدارة المنصب.

[email protected]