مؤرخو الطرب

TT

عندما عرفت إلياس سحاب كان مأخوذا بالكتابة في الشؤون الفلسطينية، من موقعه ومشاعره كنازح من يافا وهو في العاشرة من العمر. ثم احترف الصحافة شقيقه فكتور، وكتب أيضا في السياسة. وبعد ذلك عرفنا أن لهما شقيقا ثالثا هو سليم، الذي يقود أوركسترا موسيقية في القاهرة منذ سنوات. الذي لم نكن نعرفه، أن إلياس وفكتور وسليم، جوقة موسيقية لا ينقصها سوى أن تصعد على المسرح وتغني، إذ إضافة إلى عمل سليم المباشر في الموسيقى، أصدر إلياس «دفاعا عن الأغنية العربية»، وأصدر مع سليم موسوعة «الغناء والموسيقى في فلسطين»، ومع فكتور موسوعة «أم كلثوم» في ثلاثة مجلدات، ثم أنهيا معا موسوعة «عبد الوهاب».

في كتابه «الموسيقى العربية في القرن العشرين» يستكمل إلياس سحاب مجموعة مطالعات وأبحاث بالغة الدقة، في حقل لم يجرؤ كثيرون على الخوض فيه. طبعا يحب من نحب. عندما نقول القرن العشرين نقول أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، ويقول لنا المؤلف إن كليهما كان على حظ وافر: تربى الاثنان على تراث القرن التاسع عشر، عبد الوهاب على يد الشيخين علي محمود ودرويش الحريري، وأم كلثوم على يد الشيخ أبو العلا محمد. تربى عبد الوهاب في عهدة أحمد شوقي، وترعرعت أم كلثوم في عهدة أحمد رامي الطالب العائد من باريس، مع تميز عبد الوهاب بأنه تعرف إلى سيد درويش.

ويخبرنا المؤلف أن عبد الوهاب لحن وغنى معا، في حين تراجع ملحنون ذوو أصوات جميلة مثل رياض السنباطي وكمال الطويل. وللمرة الأولى نعرف منه أن ما يسمى بالمواويل البغدادية هي في الواقع لبنانية وليست كما يوحي الاسم، ومنه نعرف أن أغنية فريد الأطرش «يا ريتني طير لطير حواليك» ليست من ألحانه وإنما لحن محي الدين اللبابيدي. ومنه نعرف ـ أو أعرف أنا على الأصح ـ أن رائعة عبد الوهاب «الكرنك» للشاعر أحمد فتحي.

بعد قاهرة القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وعمالقتها بدأت بيروت الصغيرة ترسل الغناء والألحان إلى العالم العربي: الأخوان رحباني وفيروز، حليم الرومي (والد ماجدة)، وديع الصافي، وزكي ناصيف، ونصري شمس الدين، وسواهم. يسأل المؤلف عبد الوهاب، لماذا ارتاح لغناء القصائد الفصحى أكثر من سواها: «لأنني ربيت على أيدي المقرئين والشعراء، عاشقا للغة».