إعدام 19 دارفورياً في الخرطوم

TT

تلطف الرئيس السوداني الملاحَق دولياً، عمر البشير، فأهدى عصاه ذات الرأس الفضية، التي يهش بها الأميركيين، أهداها لمواطن لبناني عندما بلغه أنه معجب بالعصا وصاحبها الرئيس الشجاع. ومن شجاعته أنه أعدم تسعة أشخاص متهمين بذبح صحافي، وسط استنكار كبير في الخرطوم وغيرها. اتهموا بالقتل قيل ثأراً لأنه كتب مشككاً في روايات اغتصاب نساء في إقليم دارفور المنكوب.

ولأننا نعرف كم هو القضاء شفاف في حكومة البشير، وجهاز أمنه كم هو رحيم، فليس مستغرباً أن ترتفع الأصوات مستنكرة بأنها لم تر ظلماً كهذا في حق المقتولين التسعة. وقال محاميهم إن هناك عوامل لا علاقة لها بالمتهمين أصلا، حيث إن الصحافي المغدور له خلاف مع بعض أطراف في الحكومة، وقد سبق أن هُدد من قبل متطرفين في الحكومة اتهموه بالكفر والزندقة. أما المتهمون الذين أُعدموا فلم تصل الأمور عندهم إلى درجة الانتقام بقتل الصحافي. ولأننا لا نملك كل المعلومات ولا يجوز لنا ادعاء براءتهم أو تجريمهم أيضاً، إلا أن إعدام تسعة أشخاص ينتمون إلى إقليم أضحى محل حرب محلية ونزاع دولي، يتطلب شفافية استثنائية، حيث تقدم المحكمة كل الأدلة، وتبرر هذا القرار الخطير في ظل وجود شك دائم في الحكومة وأجهزتها. ولم تنته المأساة في الخرطوم، حيث إنه بعد يومين قامت السلطة السودانية بتقديم وجبة جديدة من مواطني دارفور، فحكمت بإعدام عشرة بدعوى التآمر على النظام وقلب الحكم. توقيت مريب، وقضايا ملتبسة سياسياً، ورقم كبير من المدانين. هل قررت الحكومة السودانية التصعيد في مواجهة الضغوط الخارجية، التي تتمثل في ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للرئيس البشير، والضغوط الداخلية، التي ارتفعت مع دعوات الزعيم السوداني حسن الترابي للبشير بأن يسلم نفسه للمحكمة؟ إن كانت الأحكام انتقامية فهي لن تزيد العالم إلا إصراراً على الملاحقة، وستؤكد للمتشككين بأن نظام الخرطوم دموي بالفعل، كما يقال ويتردد.

وجاءت الأحكام الجماعية والقاسية ضد مواطنين من دارفور فقط بعد خطبة الرئيس البشير المختلفة والإيجابية التي ألقاها قبل أيام تحدث فيها عن التسامح والتعايش واستعداده لمد اليد للآخر وأنه يرحب بالإشارات الإيجابية التي أرسلها الرئيس الأميركي الجديد. لكن يبدو أن الخطبة الإيجابية الوحيدة موجهة للاستهلاك الخارجي، لأن رجاله أسالوا دم 19 مواطناً دارفورياً سودانياً في أحكام قضائية ملتبسة، كان يستوجب من الرئيس أن يفتح الباب أمام المتهمين وأهاليهم للاستئناف ويفتح بابه هو شخصياً لمنح العفو، لكن سبق السيف العذل.

[email protected]