أبو مينا.. أنيس منصور

TT

تحتفل مصر كل عام في 18 أبريل (نيسان) بيوم التراث العالمي.. في هذا اليوم يقيم المجلس الأعلى للآثار احتفالا كبيرا في أحد المتاحف أو المناطق الأثرية. وخلال الحفل يتم اختيار موقع أثري من مواقع مصر المسجلة على قائمة التراث العالمي، لكي يتم الإعلان عنه، وتسليط الضوء على الأعمال التي يقوم بها لترميم وصيانة هذا الموقع، ضمن منظومة ما يعرف بإدارة المواقع الأثرية. وفي نفس الوقت يتم اختيار شخصية مصرية يكون لها دور فعال في إنقاذ التراث المصري، أو التعريف بهذا التراث ونشره بين أبناء المجتمع.. وفي هذا العام تم اختيار موقع أبو مينا، وهي منطقة أثرية قبطية بالقرب من الإسكندرية، سميت بهذا الاسم تخليداً لذكرى أشهر شهيد مصري، وهو القديس مينا، الذي ولد سنة 286م، ووهب ثروته كلها للفقراء في وقت اضطهاد المسيحية، واستشهد بعد أن ذاق العذاب عام 309م، وهو لم يتجاوز سن الشباب بعد.. أما شخصية هذا العام، فهي شخصية الكاتب والمفكر الكبير أنيس منصور. لقد كنت حقاً سعيداً عندما رأيت الجميع يُجمع على تسليم وسام الـ «ماعت» الذهبي للكاتب الكبير، نظراً لما قدمه للآثار وللأثريين طوال حياته ومشواره الصحفي. وسوف يقام الحفل مساء هذا اليوم، ويحضره آلاف المثقفين المصريين والعرب والأجانب ممن يعملون في مجال الحفاظ على التراث العالمي، ليشهدوا تقليد أنيس منصور وسام الـ «ماعت» رمز الحق والعدل والنظام عند المصري القديم. وأتشرف بكوني أنا الذي سوف أقدم هذا الوسام لصديقي العزيز أنيس منصور الذي عرفته عن قرب لأول مرة وأنا طالب بجامعة بنسلفانيا حينما دعاني صديقي الراحل كمال الملاخ لكي أتناول الغداء على مائدة أنيس منصور بمنزله بالمنصورية، شرق الأهرامات مباشرة. وهناك قابلت العديد من العظماء، ومنهم توفيق الحكيم. وبعد الغداء جلسنا في الصالون كي نشاهد كاميرا الفيديو لأول مرة تصور وتنقل إلى التليفزيون مباشرة، وكان الحكيم يجلس على كرسي أمام جهاز التليفزيون مرتدياً قبعته الشهيرة، والعصا في يده، وإلى جواره جلس أنيس منصور يضحك ويقول له «انظر.. سوف تشاهد نفسك في التليفزيون الآن!». ولم يصدق توفيق الحكيم كلام أنيس. ولكي يتأكد من ذلك، قام يتحسس شاربه ويهز عصاه في يده، ورأى ذلك أمامه على شاشة التليفزيون. وهنا ارتسمت علامات التعجب بدون كلام على وجه الحكيم.. لقد استطاع أنيس منصور بقلمه أن يجمع المصريين على عشق الحضارة الفرعونية من خلال كتاباته وموضوعاته التي نشرت بمجلة «أكتوبر»، وجعل الآثار بمختلف موضوعاتها محور كتاباته الصحفية، واهتم بالاكتشافات الأثرية. ومن خلال عموده بـ «الأهرام»، و«الشرق الأوسط» نجده يرحل بنا إلى الماضي البعيد والقريب؛ لنشم معه نسماته الطيبة، ونتلمس أجزاء من أسرار وغموض حضارة الفراعنة وآثارهم من أهرامات ومعابد ومقابر وملوك، مثل «توت عنخ آمون».

لقد نجح أنيس منصور في تقديم الفراعنة وتاريخهم لكل عشاق الحضارة المصرية في العالم العربي.. جعله عشقه لتراث مصر يكتب عن اكتشافاتي بهضبة الجيزة، واستطاع أن يجعل كشف «مقابر العمال بناة الأهرام» حديث العامة والمثقفين في كل مكان، ولن أنسى له أنه كان سببا في تقديم استقالتي من الآثار لأول مرة، بعد أن جعلت مقالاته الغيرة تأكل في قلب رئيسي في هيئة الآثار في ذلك الوقت.. قصص ومواقف كثيرة مع أنيس منصور، من المهم أن نسجلها للتاريخ..

www.drhawass.com