مصر.. حزب الله: المواجهة!

TT

نعلم كيف بدأت، لكن يصعب أن نتكهن كيف لها أن تنتهي..

إنها الأزمة الحادة التي كشفتها بداية الدولة المصرية, وشرحها لاحقا ـ وبحسب مفهومه ـ الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بشأن خلية الحزب التي ظهر أنها تعمل في الأراضي المصرية والتي تتكشف يوميا فصول جديدة منها. لم تبخل المواقف الرسمية من القضية بالإدلاء بدلوها والاستفاضة في الشرح والنقد والهجوم والتهديد، لكن البارز في المواجهة خصوصا من الجانب المصري هو الإعلام. فالهجمة الإعلامية المصرية على حزب الله وأمينه العام بلغت حدودا غير مسبوقة لجهة النعوت والألفاظ في حملة شاركت فيها برامج تلفزيونية رسمية وصحف ومعلقون ومواقع إلكترونية حفلت بالتهكم والسخرية والشتائم والاتهامات التي تجاوزت حدود ما هو مسموح في قواعد اللعبة الإعلامية.

ما أقدم عليه حزب الله وما أعلنه نصر الله نفسه هو أمور بالغة الخطورة ومفاعيلها ترتد سلبا على لبنان واللبنانيين قبل مصر. فحزب الله إلى جانب أنه انتهك سيادة دولة أخرى وهذا واقع مهما حاول الحزب تبرير ذلك بأنه لنصرة الفلسطينيين ومدهم بالسلاح، فالواقع هو أن حزب الله أقحم نفسه وقبلا لبنان في نزاع إقليمي لا يقدر لبنان على مواجهته. فحزب الله يجر اللبنانيين قسرا نحو فرادة «نضالية» لا طاقة لهم عليها، من خلال إصراره على تصدر لبنان لساحة المواجهة العسكرية مع إسرائيل. وحزب الله الذي يخوض الانتخابات النيابية المقبلة يطرح على لبنان معضلة كبرى في حال فوزه وتسلمه الحكم بأن يضع لبنان وبشكل رسمي في مواجهة إقليمية نتائجها كارثية بالتأكيد.

الخطوة التي أقدم عليها حزب الله ثقيلة بكل المقاييس، لكن الهجمة الإعلامية الرسمية المصرية لا تساهم في استيعاب ومواجهة خطورة ما أقدم عليه حزب الله، بل على العكس، فالسباب والشتائم والتحريض المذهبي المباشر ومهاجمة الأقليات من قِبل رسميين ومعلقين وتكريس ذلك بصفته نمطا في التعامل الإعلامي مع قضية دقيقة وخطرة من تلك التي تورط فيها حزب الله هو أمر لا يقل وطأة وثقلا عن الفعلة نفسها.

المغامرات غير المحسوبة العواقب كتلك التي أقدم عليها حزب الله في حرب تموز عام 2006 واليوم في مصر لا تواجَه بـ«التهريج» وبالأهازيج على طريقة بعض المعلقين المصريين. ثم إن وسائل الإعلام، المكتوبة منها والمرئية والمسموعة، تقحم نفسها في ما لم يحدده تعريفها بصفتها وسائل إعلام، خصوصا أن في يد مصر سلاحا للسجال يغنيها عن الانحدار إلى المستوى الذي بلغته لغة المواجهة، وهي مرشحة للانحدار أكثر مع الأسف. هناك انتهاك للسيادة المصرية ولأراضيها ومصالحها، وهو أمر كاف وبليغ لتعزيز الموقف المصري لا يحتاج معه الأمر إلى استحضار أوهام مرتبطة بتشييع مصر أو الاستعانة بلغة الشارع ونعوت «القرود» وزجها في السجال.. القضية أخطر من المستوى الذي انحدرت إليه، وهناك حاجة إلى إعادة تصويب السجال، لأنه فعلا يؤدي إلى منزلقات لا حاجة إليها.

diana@ asharqalawsat.com