ماذا يخفي «التصويب» الإيراني على مصر؟

TT

هل المطلوب من مصر أن تتعرى لتثبت أن المسألة ليست دفاعاً عن أهل غزة، بل إنها مسألة نفوذ إيراني جائع وجشع يريد حرق كل أخضر ويابس عربي وأن يربض على أنفاس كل العرب.

ليست الدول العربية من تريد تحميل «حزب الله» أكثر من طاقته، كما اشتكى أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله في خطابه يوم الجمعة الماضي، بل هي إيران التي تفعل ذلك والتي تعرف جيداً أن الحزب عكس ما وصفه الأمين العام بـ«الحزب اللبناني المتواضع، قيادتنا لبنانية وكل أعضائنا وأفرادنا لبنانيون، وليس لدينا فرع خارج لبنان، قضيتنا الأساسية التي وجدنا لها هي تحرير الأرض وحماية لبنان»، بل إن الحزب كما يردد المسؤولون الإيرانيون: الخط الدفاعي الأول لإيران.

ثم إذا كان «حزب الله» حزباً لبنانياً فقط، فما هو دور «وحدة عمليات دول الطوق في الحزب» التي ألقت السلطات المصرية القبض على مسؤولها سامي شهاب؟

إذا كان سبب وجود الحزب تحرير الأرض وحماية لبنان؟ سنتجاوز عملية اقتحام بيروت في 7 أيار (مايو) الماضي، ولن نسأل عن أي أرض لبنانية تم تحريرها إثر حرب تموز (يوليو) 2006، إذ لا تزال مزارع شبعا تحت الاحتلال، وتلال كفر شوبا كذلك، ولا يزال ما دمرته إسرائيل في جنوب لبنان مدمراً؛ لأن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري يطالب بأموال صندوق الجنوب لإعادة بناء ما دمرته تلك الحرب.

نروي هذه الأمور من دون أي تفسير أو تحليل؛ لأن محمد رعد النائب في البرلمان عن «كتلة الوفاء للمقاومة» وفر ذلك علينا بقوله: «إن الحزب يريد إعادة انتخاب نبيه بري رئيساً للبرلمان، ففيه كل المواصفات التي يجب أن يتحلى بها أي رئيس للبرلمان اللبناني»، ثم قال إن الحزب سيبقي على سلاحه «لأن ذراعه العسكرية عاقدة العزم على تحرير ما تبقى من أراض محتلة في شبعا وكفر شوبا». وتلاه في اليوم التالي نائب آخر عن «حزب الله» علي عمار قائلا: «إن الحزب قرر محاربة الفساد وإعادة انتخاب نبيه بري». وعلى هذا رد بري في مهرجان انتخابي يوم الأحد الماضي، بأن من أول واجبات اللبنانيين دعم المقاومة. إذا كان الحزب وحلفاؤه مشغولين بلبنان وتحريره، كما يقولون، فكيف استطاعوا تكليف سامي شهاب بالتوجه إلى سيناء في مصر، وتصويره كأنه «سوبرمان»، إذ كما قال السيد نصر الله، مسخفاً القلق المصري، إن «شهاب وعشرة أشخاص أتوا لمساعدة الفلسطينيين (في غزة مليون ونصف المليون فلسطيني) المحتلة أرضهم والمحاصرين».

لم يقل لنا أمين عام الحزب نوع السلاح الذي كان ينقله شهاب، إذ منذ عشرات السنين عمد الفلسطينيون وبدو سيناء إلى تهريب السلاح والبضائع الأخرى. فهل أن إيران لا تثق إلا بأفراد «حزب الله» للإشراف على تهريب الأسلحة الإيرانية إلى مصر أولا وغزة ثانيا؟ لم يشر السيد نصر لله إلى الغارة الإسرائيلية على قافلة كانت تنقل السلاح الإيراني من السودان إلى مصر، وكان الأجدى في هذه المناسبة أن يشن هجومه على إسرائيل التي دمرت قوافل الأسلحة الإيرانية التي استعملت السودان ورئيسه عمر البشير.

فضل السيد نصر الله القول بأن تهمة تهريب السلاح إدانة لمصر. هذه ربما تحتاج إلى تفسير أكثر وضوحاً، فحتى الآن لا تزال الدولة اللبنانية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على سوريا لوقف عمليات «تهريب» السلاح إلى «حزب الله» في لبنان، وسوريا التي تعتبر حتى المعارض المدني ميشال كيلو يهدد أمنها القومي وترفض إطلاقه من السجن، لا تقبل بتهريب السلاح إلى الأكراد السوريين من العراق أو تركيا، فهؤلاء لديهم قضية ولكن العرب لا يقفون معهم حفاظاً على وحدة الأراضي السورية. وإيران نفسها التي تشن هجوماً تلو الآخر ضد مصر، حاملة «لواء» فتح معبر رفح، لتحكم تطويق الدول العربية بالكماشة الإيرانية، إيران هذه وافقت على حضور مؤتمر أمستردام الدولي، لأنها تعاني من تهريب المخدرات الأفغانية إليها، فماذا سيكون موقفها لو أن البلوش مثلا بدأوا من أجل الحصول على حقوقهم بتهريب السلاح من أفغانستان؟

وكثيرا ما استخدم عدد من الانظمة العربية فصائل فلسطينية لمصلحة تلك الانظمة على حساب المصلحة الفلسطينية. اليوم لم يتغير شيء، بل قررت إيران اكتساح الساحة وبشراسة. لذلك على الدول العربية التي تريد حماية أمنها وسيادتها وشعوبها ومستقبلها، مساعدة مصر وتقديم كل ما تحتاج إليه من دعم لأن «التصويب» الإيراني عليها الآن، بعدما فشلت حرب غزة في توفير موطئ قدم إيراني في سيناء. بسبب القضية الفلسطينية استبيح لبنان، كلهم استباحوا لبنان من فلسطينيين وعرب وغربيين. كانت الدولة ضعيفة في لبنان، ورغم أن بداية الاستباحة كانت في مصر التي أنتجت «اتفاق القاهرة»، فإن العرب كلهم مدعوون للوقوف الآن مع مصر. إن إيران تريد بكل الوسائل و«الأدوات» التي لديها زعزعة وتدمير كل الدول العربية الكبرى، بدءاً من العراق، وهي تنتظر سقوط الثمرة العراقية في حضنها، وهذا لن يحدث، وصولاً إلى مصر فالسعودية، أما سوريا فإنها تخترقها منذ سنوات، وعندما تتأزم المشاكل في هذه الدول يسهل إسقاط الدول الخليجية الصغرى الأخرى، على أساس أن لبنان سيسقط كلياً بعد الانتخابات المقبلة (..)

تعتبر إيران نفسها دولة مؤسسات، وتعتمد إستراتيجية ـ ايديولوجية لن يثنيها أحد عنها، هي تظن، أو تصوره لها «بعض المعارضات» التي أتى على ذكرها السيد نصر الله في خطابه يوم الجمعة الماضي، ـ «التي كانت تطلب منا مساندتها في داخل بلدانها»، ـ هذه المعارضات ربما صورت لإيران أن الدول العربية «من قش». إن إيران لن تكتفي بالتدخل في المشرق العربي والخليج، بل وصلت إلى شمال أفريقيا. إنها لا تستريح ولن تستريح بانتظار أن تحقق خرقاً عميقاً في دولة كبرى، أو بانتظار أن تتعرض هي لأزمة داخلية أو مواجهة مع الخارج.

وللتذكير فقط، فإن المغرب أعلن عن قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران في السادس من الشهر الماضي. عبّر المغرب عن تضامنه مع البحرين عندما وصفها مسؤول إيراني (علي أكبر ناطق نوري) بأنها المحافظة الرابعة عشرة لإيران. (بالمناسبة هذا يذكر بمصير صدام حسين عندما وصف الكويت بالمحافظة التاسعة عشرة للعراق، ووصول «حزب الله» إلى سيناء يذكر هو الآخر، بغزو صدام حسين للكويت، والنتيجة صارت معروفة، حتى لو احتاجت لسنوات).احتجت إيران على تضامن المغرب مع البحرين.

طبعاً، هناك سبب آخر لقطع العلاقات، وهو المحاولات الإيرانية الحثيثة لنشر التشيع في المغرب. في لقاء أمني لدول شمال أفريقيا عقد في نواكشوط العاصمة الموريتانية، كشف المسؤولون الأمنيون المغاربة عن النشاط الإيراني لنشر التشيع الذي يهدد وحدة الطائفة السنية المالكية في المغرب، وأن النشاط الإيراني لنشر التشيع تتعرض له دول إسلامية وعربية أخرى. وشن موقع تلفزيون «العالم» الإيراني هجوماً على المغرب في الثامن من آذار (مارس) الماضي جاء فيه: «إن محاربة الشيعة هي المحرك الأساسي للعقل السياسي لأصحاب القرار في أكثر من دولة عربية، والمغرب ليس استثناء». وكان المغرب قبل قطع علاقاته الدبلوماسية اعتقل «شبكة بلعراج» من المغاربة الذين تدربوا على أيدي مقاتلي «حزب الله» في جنوب لبنان.

في كلمته يوم الجمعة نفى السيد نصر الله اتهامه بالعمالة لإيران واتهام «حزب الله» بنشر التشيع. رئيس مجلس النواب الإيراني علي لاريجاني وصف يوم الأحد هذه التهمة بـ«السخيفة».

رد التهم لا يعني أن الفعل غير قائم، والهدف منه سياسي أكثر منه ديني، إنه يخدم خطط التوسع والنفوذ الإيرانية التي تريد أن تتزعم العالم الإسلامي، وتلغي ما يسمى بالعالم العربي. ولأنه لا يمكن لها الكسب في بحر من السنّة، لا بد من البدء بمحاولات التشيع.

الآن سترفض «حماس» المصالحة الفلسطينية التي ترعاها مصر، ولن تنجح الدول العربية في جذب سوريا إلى معسكرها. إن إيران ستضاعف من عمليات الزعزعة التي تقوم بها، لتظل قادرة على تحييد سوريا عربياً، والسيطرة على «حماس» التي صارت بمثابة رأس الحربة الثاني. وستتفرغ لتسخير «حماس» و«حزب الله» لنشر اللااستقرار في الدول العربية، والمشكلة أن بعض الدول العربية الصغيرة تعتقد انها تستطيع ان تشتري شر توسع ايران بالتواطؤ معها.

هناك حاجة لإستراتيجية عربية جديدة متماسكة، لا يخيفها شارع من هنا أو تنديد من هناك. إن الضعف العربي يمنح إيران قوة. والوقوف مع مصر الآن دليل قوة عربية ضرورية.