الزيارة تاريخية والإنجاز واعد.. وبداية خطوة على طريق طويل

TT

حسب ما هو مقرر ووفقا لترتيبات هذه الزيارة، التي هي زيارة عربية أكثر منها زيارة أردنية، فإن اللقاء المرتقب بين العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين والرئيس الأميركي (الجديد) باراك أوباما سيتم في البيت الأبيض يوم الثلاثاء المقبل، في الحادي والعشرين من هذا الشهر، وسيكون حسب كل التقديرات لقاء تاريخيا، والسبب هو أن ما سيجري بحثه والتطرق إليه سيتناول أكثر معضلات العالم تعقيدا، وهي معضلة الصراع في الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية.

والسؤال الذي ستجيب عليه نتائج لقاء الثلاثاء المقبل في الحادي والعشرين من هذا الشهر هو السؤال الذي بات يتردد، وعلى نطاق واسع ومن قبل الأصدقاء والأعداء والمتفائلين والمتشائمين الذين يحضرون حناجرهم وألسنتهم وأقلامهم لشماتة ما بعدها شماتة، هو: هل هذا اللقاء سيكون البداية للنهاية «السعيدة» التي ينتظرها الفلسطينيون والعرب وكل الذين يحلمون بإنهاء صراع، أصبح أقدم صراع عرفه التاريخ، وحل عقدة تدنت الآمال بإمكان حلها بعد أن أفرزت صناديق آخر انتخابات إسرائيلية هذه المجموعة المتطرفة التي غدت تحكم دولة متمردة ومارقة وخارجة على الإدارة الدولية؟

وحقيقة إنه لا الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ولا القادة العرب الذين سينقل وجهات نظرهم ووجهات نظر دولهم إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما عندما سيلتقيه في البيت الأبيض يوم الثلاثاء المقبل في الحادي والعشرين من هذا الشهر، لديهم قناعة بإمكانية أن يسفر هذا اللقاء عن تطورات «دراماتيكية» سريعة، وأنه سيتم تحويل هذه الحكومة الإسرائيلية من وحش كاسر تقطر الدماء من شدقيه، إلى حَمَل وديع بين عشية وضحاها، وأن الحكومة الفلسطينية المستقلة المنشودة، إن هي لم ترَ النور في شهر أو شهرين فإنها سترى النور قبل نهاية هذا العام الذي مع نهاية أبريل (نيسان) الحالي سيودع ثلث عمره. إن العاهل الأردني ومعه أشقاؤه القادة العرب الذين أرادوا أن تكون مهمته هذه مهمة عربية، يعرفون حجم تعقيدات قضية الشرق الأوسط، ويعرفون كم أن هذه المهمة صعبة في ضوء انحياز الإسرائيليين إلى المزيد من التطرف واليمينية، وأيضا في ضوء هذا الانقسام الفلسطيني الذي وضع أسلحة فتاكة كثيرة في أيدي عتاة التطرف الإسرائيلي، وأيضا في ضوء كل هذا التوغل الإيراني في هذه المنطقة، وفي ضوء مقاومة إيران لأي تقدم في عملية السلام لقناعتها بأن حل القضية الفلسطينية وإنهاء النزاع في الشرق الأوسط سوف يفشل تطلعاتها لاستعادة أمجاد «فارس» القديمة في هذا الإقليم كله. إن العرب الذين يقفون حقا خلف مبادرة السلام العربية وقرروا تفعليها وإعادة تسويقها على العالم كله يعرفون كل هذه الحقائق، ويعرفون أيضا أن إيران وإسرائيل رغم كل ما بينهما من تنافس وتباغض ومخاوف فإنهما تتفقان على شيء واحد، وهو إحباط عملية السلام وإفشالها، فاليمين الإسرائيلي المتسلح بكل خرافات التاريخ يعتقد أن مقتله ومقتل قناعاته ومعتقداته وأفكاره هو أن تنجح العملية السلمية وأن يقرر الشعب الفلسطيني مصيره ويقيم دولته المستقلة المنشودة، وأصحاب شعار «الثورة الدائمة» من صانعي القرار في طهران الذين يحلمون باستعادة أمجاد إمبراطوريتهم الفارسية القديمة ولكن بقيادة «الولي الفقيه»، وأصحاب العمائم السود يرون أنهم يجب أن يفعلوا ما هو ممكن وما هو غير ممكن لمنع حل القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع في الشرق الأوسط قبل أن يحققوا هذا الهدف الذي لم يعد خافيا على أحد.

لكن ومع ذلك فإن هؤلاء العرب، الذين يؤمنون بأن خطوة عملية واحدة أهم من ألف «دزينة» من التنظير وأهم من مواصلة مضغ الشعارات القديمة، قرروا البدء بمسيرة السلام التي قد تكون طويلة ومتعبة وصعبة وشاقة بهذه الخطوة، حيث حمل العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين وجهة نظرهم إلى الرئيس الأميركي (الجديد) الذي أكد خلال معركة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها، والذي كرر هذا التأكيد بعد انتقاله إلى البيت الأبيض أكثر من مرة، آخرها خلال زيارته إلى تركيا، بأن إدارته ملتزمة بحل الدولتين، دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية، وعلى أساس القرارات الدولية المتعلقة بصراع الشرق الأوسط وخارطة الطريق وتفاهمات مؤتمر «أنابوليس». لم يحمل الملك عبد الله الثاني معه إلى لقاء يوم الثلاثاء المقبل مجرد رسالة بوجهات النظر التي أتفق عليها وزراء الخارجية العرب الذين التقوا في عمان يوم السبت الماضي ومعهم الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، بل حمل تصورا شاملا مرفقا بمبادرة السلام العربية لحل الصراع في الشرق الأوسط، وفقا لهذه المبادرة سيكون بمثابة «وديعة» لدى الرئيس الأميركي من المفترض أن يتعامل على أساسها مع هذه الحكومة الإسرائيلية، التي عنوانها أن وزير خارجيتها هو هذا الروسي المتطرف أفيغدور ليبرمان.

لا يوجد أي خيار آخر في ظل واقع هذه المنطقة وفي ظل الحالة الدولية القائمة الآن غير هذا الخيار، فالحرب التي يتحدث عنها بعض الذين ما زالوا يغرقون في الأحلام القديمة التي كلفت العرب والفلسطينيين الشيء الكثير، غير ممكنة وغير واردة، والعودة إلى وضعية اللاحرب واللاسلم ستكون انتحارا وكارثة الكوارث، والحكم على مبادرة السلام العربية بأنها ماتت وشبعت موتا وكفى الله المؤمنين شر القتال عدمية ما بعدها عدمية، ولهذا فإنه لم يعد أمام العرب الذين يعرفون كل هذه الحقائق إلاّ أن يغتنموا الوضع الدولي الملائم ويعيدوا طرح مبادرتهم مرفقة باقتراحات تنفيذية على الولايات المتحدة وعلى العالم بأسره.

هناك الآن قناعة لدى دول العالم كلها بأن إسرائيل، وبخاصة بعد أن أفرزت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة هذه الطغمة المتطرفة التي تحكم الآن، أصبحت دولة مارقة، وأنه لا بد من إلزامها إلزاما بدفع الاستحقاقات المطلوبة لإنهاء النزاع في الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية، وهذا هو الذي دفع العرب الذين يسميهم الآخرون «عرب الاعتدال» للتحرك بسرعة وإعادة طرح مبادرتهم واغتنام هذه الفرصة السانحة لتسجيل هدف في الملعب الإسرائيلي، وإقناع الولايات المتحدة بأن ضمان استمرار مصالحها في هذه المنطقة التي تمتد حتى حدود الصين يتطلب إنهاء هذا الصراع الذي غدا «مفرخة» وحاضنة للأفكار والتنظيمات الإرهابية.

إن المؤكد أن العاهل الأردني عبد الله الثاني عندما سيلتقي باراك أوباما يوم الثلاثاء المقبل فإنه سينقل إليه وجهة نظر أشقائه القادة العرب القائلة بأن بقاء صراع الشرق الأوسط مفتوحا على شتى الاحتمالات سيؤدي إلى ما هو أكثر سوءا من الوضع الحالي، وأنه إذا بقي الإسرائيليون يتصرفون كثور هائج في مخزن للأواني والأباريق الفخارية فإن بؤر التوتر في العالم كله ستزداد اشتعالا، وأنه إن لم تحل القضية الفلسطينية الحل العادل المقبول وعلى أساس إقامة دولة الفلسطينيين المستقلة المنشودة إلى جانب الدولة الإسرائيلية، فإن «تورا بورا» ستنتقل من أفغانستان إلى هذه المنطقة التي للولايات المتحدة فيها مصالح استراتيجية وأساسية كثيرة. وبالطبع فإن العاهل الأردني سيحاول إقناع الرئيس الأميركي بضرورة نقل مبادرة السلام العربية مرفقة بالتصورات التنفيذية، التي اتفق عليها وزراء الخارجية العرب الذين التقوا في عمان يوم السبت الماضي وغاب عن لقائهم وزير الخارجية السوري وليد المعلم دون أي مبرر مقنع، إلى مجلس الأمن الدولي لتصبح قرارا ملزما للإسرائيليين الذين لم يدركوا أن عالم اليوم بات يضيق ذرعا بهم وبتصرفاتهم وممارساتهم، وأنه «قرف» من إدعاءاتهم وابتزازهم للأوروبيين والأميركيين باسم «الهولوكوست» والمحرقة النازية.

إنها قد تكون خطوة على بداية مسيرة ألف ميل، لكن ما العمل بينما الواقع هو هذا الواقع وبينما الاستمرار بالاستنكاف كما يرغب أصحاب «فسطاط الممانعة» والمتعاطفون معهم، سيزيد الأمور سوءا وسيجعل المستقبل أكثر سوادا ومأساوية؟ إنه لا بد من الاستمرار بخيار السلام، ولا بد من المزيد بالتمسك بالمبادرة العربية، فالبديل هو الكارثة، وما يتحدث به تجار الشعارات وأصحاب الجمل الثورية تم تجريبه على مدى التاريخ الطويل لهذا الصراع، وكانت النتائج تأتي دائما وأبدا مأساوية وكارثية.