لائحة اللوم.. طويلة

TT

حبذا لو استكمل الأستاذ عبد الرحمن الراشد ـ في تعليقه على تورط حزب الله في شبكة لتهريب الأسلحة في مصر («الشرق الأوسط» (12/04/09 ـ لائحة من يتحملون الملامة في تحول حزب الله من دولة داخل الدولة اللبنانية إلى دولة داخل النظام العربي، ولم يكتف بلوم حركة حماس فحسب.

إذا كانت حماس تعتبر متورطة، معنويا، في استهداف حزب الله لمصر فإن «الدولة» في لبنان لا تقل عنها إدانة، وإن كانت تستحق أحكاما تخفيفية بسبب قصر باعها.

يُروى في الأدب الشعبي المتناقل في لبنان أن عنترة بن شداد سُئل يوما: «يا عنتر من عنترك؟» فأجاب: «لم أجد أحدا يردعني».

المنطق نفسه ينسحب اليوم على حزب الله في لبنان. فإذا كان الحزب يشعر أنه في وضع يسمح له بالتدخل في أي موقع كان في العالم، فذلك لا يعود إلى قوته الضاربة ـ التي لا ينكرها أحد ـ بقدر ما يعود إلى ضعف «الدولة» التي اختارها مقرا له وممرا إلى الدول الأخرى.

بعيدا عن أي نقاش تنظيري عن وجود دوافع «قومية» أو «إقليمية» لتدخُّل حزب الله في ما هو ـ في مطلق الأحوال ـ شأن مصري داخلي... لو كان في لبنان دولة، بالحد الأدنى لمفهوم القرن الحادي والعشرين للدولة، لما سمحت لأي تنظيم حزبي كان، وتحت أي ذريعة كانت، أن يشكل قوة عسكرية ضاربة خارج إطار المؤسسة العسكرية الشرعية، ولما غضت النظر عن تفرده بمتابعة «أجندة» خارجية مستقلة عن قرار الدولة ومصالحها، خصوصا بعد إن استتبعت هذه الأجندة توريط لبنان في حرب مدمرة، عام 2006، لم ينتج عنها تحرير شبر واحد من أرضه المحتلة.

وإذا جاز الاستطراد في استكمال لائحة الملومين عن تحول حزب الله إلى الدولة الثالثة والعشرين في جامعة الدول العربية يستحيل إغفال دور النظام السوري في رعاية هذا الحزب وتنشئته بعد أن استثناه، في عهد وصايته على لبنان، من أحكام قرار نزع سلاح «جميع» الميليشيات اللبنانية... ومنحه وكالة حصرية، غير قابلة للعزل أو المنافسة، لمقاومة العدو الإسرائيلي، وسهل له، بذريعتها، التسلح من مصدره المعروف.

وكذلك يصعب إعفاء «النظام العربي» من بعض اللوم، فغياب البديل العسكري الجدي لاحتمال فشل مبادرة السلام المطروحة، بلا طائل، منذ قمة بيروت العربية عام 2002 ـ شجع التنظيمات الأصولية والمتشددة على المضي في احتكار استراتيجية المقاومة كبديل لمشروع التسوية ومن ثم تحويل شعاراتها إلى «شرعية قومية».

وفي هذا السياق لا بد من التذكير بان تقاعس الإدارات الأميركية المتتالية عن فرض تسوية سلمية على إسرائيل ـ خصوصا بعد طرح إدارة بوش اقتراح الدولتين ـ لم يخلُ من تأثير محبط لآمال العرب «المعتدلين» بدور أميركي ناشط في تسوية أزمة الشرق الأوسط.

ربما يدرك المواطن العربي أن «الدولة» في لبنان مكرهة اليوم على التعايش مع حزب الله ومن هم وراء حزب الله، تسليحا وتمويلا وتحريضا.

وربما يعي المواطن العربي أن متطلبات التعايش المذهبي في لبنان تفرض على عقلائه مقاربة موضوع سلاح الحزب من زاوية الحوار «الوطني» ومن منطلق الأمل في عودة الابن الضال إلى أحضان الدولة ومشاركته باقي اللبنانيين قناعتهم بأن الدولة وحدها المرجع الأول والأخير لأمنهم ومستقبلهم.

ولكن ما لن يفهمه أن تفرز المعركة الانتخابية «المصيرية» المقبلة برلمانا لا يسمح للبنانيين باستعادة قرارهم المستقل وسيادتهم المسفوحة، أو أن يتمخض عن برلمان يعيد تكرار بدعة «الثلث المعطل» ( لقيام الدولة في الواقع).

بإمكان اللبنانيين، إن هم تجاوزوا الإغراءات المادية والعصبيات المذهبية في خيارهم الانتخابي، أن يقرروا ما إذا كانوا يتطلعون إلى بناء دولة الجميع في لبنان أو البقاء مجرد شهود عيان على تشرذمها وتآكلها، فخلافا لأي معركة انتخابية سابقة، المطروح في انتخابات عام 2009 ليس مجد هذه الطائفة أو عزة ذلك الزعيم، بل قيام الدولة أو انهيارها.

... والمؤسف أن العديد من مرشحي تحالف «14 آذار» ما زالوا يقدمون مصالحهم الخاصة على هذا الاستحقاق «المصيري».