إيران وأمريكا: آفاق التطبيع

TT

 تدل كل المؤشرات على أن الرئيس الأمريكي الجديد أوباما قرر انتهاج سياسة جديدة تجاه إيران، على تناقض تام مع أسلافه في البيت الأبيض. وعلى الرغم من ترديده للنغمة التحذيرية من الخطر النووي الإيراني بل التلويح بأن الخيارات تظل متاحة لمواجهته (في إشارة مبطنة إلى الضربة العسكرية) فإن الجديد هو أن الإدارة الحالية لم تعد تشترط وقف البرنامج النووي الإيراني للانفتاح على طهران، بل إنها قابلت تصريحات الرئيس نجاد الأخيرة المتشددة بلهجة هادئة متفهمة غير مألوفة في الخطاب الرسمي الأمريكي.

وإذا كانت بعض التحليلات الرائجة فسرت الموقف الأمريكي الجديد بمجرد عوامل ظرفية تتعلق إما بأسلوب أوباما الشخصي المتسم بالدفء واللباقة (في مقابل عدوانية وصلف بوش) وإما بالحرص على لعب ورقة الترغيب والود بدلا من ورقة التهديد التي لم تُجدِ نفعا مع إيران، فإن الحقيقة هي أن الوضع أكثر تعقيدا من مجرد هذه العوامل الظرفية المحدودة.

فمن الواضح أنه على الرغم من القطيعة الجذرية المعلنة بين البلدين منذ قيام الثورة الإسلامية في فبراير 1979، فإن السنوات الثماني الأخيرة شهدت نمطا من ائتلاف المصالح بينهما، استطاعت طهران إدارته بحسٍّ برغماتي عال في ما وراء الخطاب التحريضي المألوف.

ولهذا الائتلاف جبهتان رئيسيتان هما: الملف الأفغاني وما يرتبط به من تحدي الإرهاب والأصولية المسلحة، والملف العراقي وما يتصل به من أزمة سياسية وأمنية. فمن الجلي أن الإسهام الإيراني كان حاسما في الجبهتين خلال الحربين اللتين شنتهما الولايات المتحدة عامي 2001 و2003، ولا تزال الحاجة قائمة إليه للتعامل مع المصاعب الجمة التي تعترض الحضور الأمريكي في المنطقتين.

ففي أفغانستان، تسعى إدارة أوباما إلى هدفين مترابطين هما تعزيز الوجود العسكري الأمريكي لمواجهة عودة طالبان والانفتاح السياسي على الأطراف المعتدلة من التنظيم نفسه الذي استعاد جانبا كبيرا من قوته ونفوذه في بعض المناطق الأفغانية الوعرة. وبإمكان إيران المساعدة في المهمتين بتقديم التسهيلات الضرورية للمواجهة العسكرية وباستخدام علاقاتها السرية مع قيادات طالبان التي يعتقد أن بعضها موجود في إيران.

وفي الجبهة العراقية، من الجلي أن المصالح بين الطرفين قوية ومتنامية، وتحتاج الإدارة الأمريكية الجديدة إلى الدعم الإيراني لمشروعها المتمثل في الانسحاب التدريجي من العراق باعتبارها الجهة الإقليمية الوحيدة القادرة على أداء جانب من الدور الأمني الذي كانت قوات الاحتلال تضطلع به. بيد أن الإشكال الذي لا يزال مطروحا بالنسبة إلى الولايات المتحدة هو الحيلولة دون قيام نموذج سياسي إيراني في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية (نظام ولاية الفقيه) أو تفادي أن يفضي الحضور الإيراني في العراق إلى حرب طائفية تقضي على وحدة البلاد واستقرارها.

وليس من السر أن العديد من وجوه الرأي المقربة من صناع القرار في واشنطن تروج للدور الإيراني المطلوب من منطلق أن الخطر الأصولي الإرهابي متمحور في مسلمي السنة وليس في مسلمي الشيعة الذين يتوفرون على مؤسسة دينية قوية قادرة على ضبطهم، كما أن وجود المذهب الشيعي كمذهب أقلية طائفية في الفضاء الإسلامي الواسع يجعله محدود التأثير والإمكانات الاستقطابية. ينضاف إلى هذين العاملين أن المؤسسة الشيعية العراقية إن كانت علاقتها وثيقة بل عضوية بالمؤسسة الدينية الإيرانية فإنها لا تأخذ بنموذج ولاية الفقيه وتتبنى مسلكا أقرب إلى العلمانية بالفصل بين الدين والسياسة والاكتفاء برعاية العتبات المقدسة والإرشاد الروحي.

يبقى الملفان الأكثر حدة وهما الملف النووي والموقف من الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. فبخصوص الموقف الأول، ظهرت أدلة بارزة على اتفاق ممكن بين الجهتين على اكتفاء طهران بالخيار الياباني، أي امتلاك التكنولوجيا النووية كاملة التي لم يعد من الممكن التفريق بين إمكانات استخدامها العسكرية والسلمية. أي بعبارة أخرى، قد تكتفي واشنطن من حكام طهران بعدم اختراق الخط الأحمر المتمثل في إنتاج القنبلة المحظورة والرضا بالوظيفة الردعية للتقنية النووية.

وبخصوص الملف الفلسطيني، من الواضح أن الإدارة الأمريكية تربط بين الدور الإيراني ومعادلة حماس في غزة. ويمكن في هذا السياق قراءة بعض التصريحات الأمريكية الأخيرة التي عبّرت عن الاستعداد للتحاور المشروط مع قيادة حماس.. وهنا أيضا تقوم الحاجة إلى طهران.