أصول سامة.. انتخبناها

TT

في الوقت الذي لا نزال نجد فيه أصداء إقدام 328 عضوا في مجلس النواب الأميركي على التصويت لصالح الاستخدام الرجعي والعقابي للقانون الضريبي، سعيا إلى مصادرة العوائد المالية القانونية الخاصة بمجموعة صغيرة من الأشخاص تفتقر إلى الشعبية، دعت إدارة أوباما بالأمس مستثمرين بالقطاع الخاص لأن يصبحوا شركاء تجاريين مع حكومة مزاجية ومناهضة للدستور على نحو متزايد. وقد جاءت تلك الخطة الأخيرة الرامية إلى تحريك النظام المالي بعد قرابة نصف عام من إغداق الكونغرس 700 مليار دولار على برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة، وتم إنفاق 325 مليار دولار منها دون شراء أي أصول سامة، إلا أن الأموال المخصصة لبرنامج إنقاذ الأصول المتعثرة قد ساعد ـ على نحو جزئي ـ في شراء ـ من بين عدة أشياء أخرى ـ شركتين لإنتاج السيارات (أخيرا، تم شراء بعض شركات توريد قطع الغيار للشركتين)، الأمر الذي أثار ـ بلا شك ـ دهشة دولة مثل السويد.

وفي واقع الأمر لقد تحولت السويد إلى معلم لأميركا فيما يتصل بقواعد المنطق الرأسمالي، الأمر الذي لم يكن ليتخيله أحد من قبل، حيث أعلنت على لسان أحد وزرائها أن شركة «ساب» المتعثرة المتخصصة في صناعة السيارات عليها الاعتماد على ذاتها فحسب، مشددا على أن: «الدولة السويدية ليست على استعداد لامتلاك مصانع إنتاج السيارات». وصدر تعليق آخر مثير للشعور بالحرج حول السياسات السيئة للحكومة الأميركية من قبل الصين، التي نوه رئيس وزرائها ـ عن حق ـ بالتوجه الأميركي القائم على ارتفاع معدلات الاستهلاك وضآلة المدخرات، وهو الوضع الذي لا يمكن الإبقاء عليه لأمد طويل. كما أعرب المسؤول الصيني ـ بأدب ووضوح ـ عن مخاوف من أن الأصول المملوكة لبلاده ـ وتتجاوز قيمتها تريليون دولار ومقيمة تبعا للدولار الأميركي ـ ربما تتعرض للحد من قيمتها جراء اختيار واشنطن، مثلما الحال مع جمهوريات الموز، استغلال التضخم من أجل الامتناع جزئيا عن سداد الديون التي تراكمت جراء الإسراف.

ومن المكسيك تلقت الولايات المتحدة التوجيه اللازم فيما يتعلق بالحقوق الأساسية وحكم القانون، وجدير بالذكر أن عضو مجلس النواب جورج ميلر، أحد الأعضاء البارزين بالحزب الديمقراطي، يحاول إلغاء حق العمال في الاقتراع السري في إطار الانتخابات النقابية، رغم أن هذا العضو نفسه، بجانب 15 آخرين من الديمقراطيين، عتبوا على المكسيك عام 2001 للسبب ذاته، مؤكدين أن «الاقتراع السري بالغ الضرورة لضمان عدم إكراه العمال على التصويت لصالح نقابة ربما لا يرغبون حقا في التصويت لها». وفي العام الماضي أيدت أعلى محكمة بالمكسيك بالإجماع حق المكسيكيين في ممارسة الاقتراع السري الذي يرغب الديمقراطيون في حرمان الأميركيين منه الآن.

من ناحيته أهمل الكونغرس، بموافقة الرئيس الذي كثيرا ما انتقد التوجهات الانفرادية المتغطرسة لسلفه في التعامل مع الدول الأخرى، اتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية (المعروفة اختصارا باسم نافتا)، واستغل الكونغرس قانون الإنفاقات الشامل لإلغاء برنامج تمت صياغته كجزء من الجهود الأميركية المتباطئة تجاه الالتزام بواجبها الخاص بالسماح للشاحنات المكسيكية المخصصة للمسافات الطويلة بالسير على الطرق الأميركية. وقد تحول البرنامج الذي كان يهدف إلى اختبار سلامة الشاحنات المكسيكية إلى مصدر حرج، لأنه توصل إلى أن الشاحنات المكسيكية تتمتع بنفس مستوى الأمان، على الأقل، الخاص بنظيراتها الأميركية. ومن جانبها لجأت المكسيك إلى تنفيذ سياسات حمائية ـ عبر فرض تعريفات على الكثير من السلع الأميركية ـ انتقاما من الحماية التي أولاها الديمقراطيون إلى نقابة سائقي الشاحنات.

من ناحية أخرى، من الملاحظ أن مصرف الاحتياط الفيدرالي تم تحصينه، حسبما جرت العادة وليس تبعا لما يمليه القانون، بمعزل عن الاعتبارات السياسية في أثناء اضطلاعه بمهمته الأساسية المتمثلة في الإبقاء على العملة كمخزن للقيمة، بما يحول دون حدوث تضخم. لكن الآن ومن خلال اضطلاعه بمهام لم يتم التفكر فيها على النحو الملائم، تحول المصرف إلى ملحق ثانوي للسلطة التنفيذية. وقد يسفر هذا الاستغلال السياسي للهيئة المسؤولة عن إمدادات المال عن عواقب وخيمة.

سبق وأن حذر جيفرسون من أن «الإبداعات الكبرى لا ينبغي فرضها على الأغلبية الضئيلة»، ومع ذلك نجد الديمقراطيين، الذين ينسبون أصول حزبهم إلى جيفرسون، يدرسون استغلال «المصالحة» ـ وهي مبادرة تشريعية أسيء استغلالها من كلا الحزبين لبتر النقاشات بصورة بالغة وتقييد حق الأقلية في الاعتراض ـ لفرض تغييرات واسعة ومثيرة للجدل على 17% من الاقتصاد، يتمثل في الرعاية الصحية. وعندما أعلن مكتب شؤون الميزانية التابع للكونغرس أن الميزانية التي وضعها الرئيس تقلل من تقدير العجوزات المحتملة على امتداد العقد القادم بمقدار 2,3 تريليون دولار، صرح مدير مكتب شؤون الإدارة والميزانية التابع للرئيس أوباما، بيتر أورزاغ: «من المتعذر الثقة بجميع التوقعات المرتبطة بالميزانية على الأمد البعيد، وعليه فعليكم الاعتماد على توقعاتنا». ويمثل ما سبق مجرد قائمة جزئية لحالات انتهاك القانون والفوضى المؤسساتية التي وقعت في الفترة الأخيرة، وفي الواقع إن هذه الإجراءات السياسية المحظورة وثيقة الصلة بحالة التراجع الاقتصادي التي تمر بها البلاد، حيث تحاول الإدارة في إطار سعيها لاكتساب الثقة تحقيق الاستقرار داخل الاقتصاد، من خلال توسيع دور الحكومة به على نحو بالغ.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»