جريمة لا غفران لها

TT

وجهت محكمة مصرية التهمة رسميا إلى قاتل مزعوم في جريمة قتل ابنة المطربة المغربية ليلى غفران وصديقتها. وإذا ثبتت التهمة فإن القاتل ارتكب جريمته من أجل 200 جنيه وهاتف محمول. وقد يثأر القضاء المصري للقتيلتين بعد فوات الأوان، وقد يخرج الجاني بريئا مثل صاحب العبّارة التي قضى فيها أكثر من ألف بشري بسبب الإهمال والجشع وغياب الرقابة.

المسألة كلها ليست في وضع القضاء والشرطة بالنسبة إلى ابنة ليلى غفران. المسألة أن الصحافة الهوجاء والمعدومة الضمير والخالية نهائيا من أي أثر أخلاقي، اغتالت الفتاة بعد مقتلها كل يوم. ولم تعد القضية أن فتاتين قتلتا، بل إنهما استحقتا القتل. ولم يبق خيال مريض لم يكتب رأيه وتحليله للجريمة. وبرز في هذه الصحافة المريضة ألف شرلوك هولمز وألف جيمس بوند. وأدينت الضحيتان كل يوم بألف تفسير بشع. ونسي محررو هذه الصحف أن هناك قاتلا، أو أكثر.

هذا النوع من «الصحافة» انتشر في لبنان خلال الستينات والسبعينات. وسعى كثيرون إلى خبزهم على موائد الفضائح وفتات العطور وبقايا السهر. وتحت اسم الحرية، ساد نوع من القرف الشديد الذي يزدهر في مصر الآن وبعض صحف الخليج. وتحولت وسيلة الإنترنت من أعجوبة معرفية وثقافية إلى منابر للشتم والفتن والنفث المريض.

لن تعود لليلى غفران ابنتها إذا ما قاضت الصحف التي مثلت بجثة ابنتها وهتكت سمعتها وعاملتها كأنه لا بد لها أن تقتل. وفي النهاية تبين أن القاتل مجرم رخيص يبحث عن مائتي جنيه، لم يكن صديقا، ولا مجموعة أصدقاء، ولا مجموعة حفلات، ولا مجموعة إشاعات مريضة تناقلتها «الصحافة» على أنها، كلها، حقائق أخرجها جيمس بوند من جيبه الداخلي.

مرت ثلاث قضايا جنائية على القضاء المصري: العبَّارة التي عاد صاحبها وسجن 7 سنوات لا نعرف كم سيقضي منها حقا. ومقتل سوزان تميم وما رافقه. ومقتل ابنة ليلى غفران. والقضايا الثلاث بدا وكأن ساحتها الصحافة الهوجاء وليس القضاء الرصين. وهذه محن حقيقية تسيء إلى مصر وليس إلى محرر عابث يطيب له التنزه بين الجثث، خصوصا إذا كانت جميلة وشهيرة. سوزان تميم قطع رأسها قاتل، وتقاسم أشلاءها «الصحافيون». وابنة ليلى غفران طلبت أمها المواساة، فكانت تقابل كل يوم بهتك جديد.