مليون صحافي عربي

TT

لا أبالغ عندما أقدر عدد المنخرطين في الإعلام بوسائله المختلفة بأكثر من مليون شخص، بعد أن كانوا بضعة آلاف قبل عشر سنوات. أما الجمهور المتلقي فقد قفز إلى عشرات الملايين. سر الانفجار في التطور التقني، الإنترنت والإرسال الفضائي.

خلال السنوات التي تلت غزو الإنترنت المنطقة العربية تبدلت الصورة بشكل كبير، كبرت الدائرة الصحافية وأصبحت اليوم مجتمع المليون صحافي، وصار الإعلام قوة حقيقية، أكثر تأثيرا واستقلالا وانتشارا من أي وقت كنا نحلم به في الماضي القريب جدا. لكن هل تغير العالم العربي إلى الأفضل أم إلى الأسوأ؟ أعتقد أن لكل منا رأيه. فهناك من يرى فوضى ضاربة أطنابها في كل مكان، حيث لا احترام لأصول المهنة، ولا لعادات المجتمع، وأنها صارت معولا كبيرا يهدم بلا توقف، مستشهدين بأن أكثر المواقع مشاهدة هي الجنسية وأكثر المستفيدين منها هم الإرهابيون. وهناك من يرى أن الإعلام الحديث حقق نقلة نوعية شاملة في حياتنا إلى الأفضل، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا، مستشهدين بحجم المعلومات الجيدة في مختلف العلوم والفنون التي تمنحها الإنترنت ووصيفاتها لعموم الناس بلا شباك تذاكر، وأنا أميل إلى المعسكر الثاني.

في رأيي، الإيجابيات أكثر من السلبيات، ولا بد أن نمر بالمرحلة المضطربة إعلاميا حاليا حتى ينظم المجتمع المعلوماتي نفسه، ويؤسس قواعد لمن يعمل فيه، ويكبر في العمر فينتقل إلى مرحلة أكثر نضجا وإفادة. نحن في عصر مثير ورائع، بما تعنيه الكلمة، بوجود هذه الوسائل الجديدة التي ساعدتنا جميعا على تخطي العقبات التقنية والمادية والسياسية والقانونية. كان إيصال الصحيفة إلى مكان يتطلب جهدا ومالا ويضع شروطا ويصبح مستحيلا بلوغ العديد من المناطق الصعبة أو البعيدة. وبالتالي كان مجتمع الإعلام محصورا في المدن والفئات القادرة تعليما ومالا، إضافة إلى أنه إعلام محاصر بالكثير من القيود. إن موقعا بحثيا مثل «غوغل»، شيء أقرب إلى السحر لمن عانى في الماضي من البحث المكتبي. والتواصل الإنترنتي أعجوبة تقارب اختراع الطيران في مهده. والأهم في رأيي أن الإنترنت يمثل حلا مهما للدول الأقل حظا في التعليم والثقافة والتواصل. إنه يربطها مباشرة بالمجتمع المتقدم علما وثقافة، ويمنحها نفس الوسائل للتقدم إلى الأمام، لكن كأي وسيلة أخرى في العالم تحتاج إلى تحسين استخدامها وتوعية الناس بها واستغلالها الاستغلال الأمثل. إنها مسؤولية المؤسسات الرسمية والخاصة التي يفترض أن تحولها إلى أدوات تعليمية، فتساعد القرويين على أن يحظوا بنفس ما يحصل عليه أهل المدن من علم متميز. وتساعد الصغار على أن يكبروا مثقفين ومؤهلين.

لا أدري، لكن أشعر أننا أمام هدية ثمينة وفرصة رائعة تستحق أكثر من مجرد أن نتفرج عليها، إنها مثل السيارات والحافلات القادرة على إيصالك، لكن عليك أن تقرر وجهة سفرك. إن ما ينقص الثورة المعلوماتية في العالم العربي فهمها ودراستها، ومحاولة استخدامها بشكل جيد.

[email protected]