القفاز المخملي.. واليد الحديدية

TT

منذ عدة أعوام مضت زار نيكولاس كريستوف إيران وكتب مقالا نشر في صحيفة «نيويورك تايمز» في الخامس عشر من مايو (أيار) 2004 ولا يزال عنوان المقال الذي كتبه متداولا حتى الآن، فقد استعمل مصطلحاً استخدمه آية الله على خامنئي في الآونة الأخيرة. تحدث كريستوفر في هذا المقال عن القفاز الحديدي واليد المخملية، على النقيض من ذلك تحدث آية الله على خامنئي عن القفاز المخملي واليد الحديدية، حيث وصف كريستوف إيران، بينما وصف خامنئي الولايات المتحدة. لكن أي وجهتي النظر تلك صحيحة؟ ذلك هو التساؤل الرئيس الذي أرغب في الكتابة عنه في هذا المقال.

وكتب كريستوف في مقاله «الكلاب الأليفة ممنوعة في طهران لأنها نجسة وتخالف الإسلام، وعادة ما يقوم رجال الشرطة بالقبض على الكلاب وأصحابها، لكن عدد الكلاب الأليفة في ازدياد، ويوجد بطهران الآن عشرات العيادات البيطرية... ويعتقد الكثير من الإيرانيين أن القيادة الإيرانية تحاول انتهاج النموذج الصيني الذي تسمح فيه السلطات بنوع من الحرية الشخصية لكنها تتحكم في السياسات بشكل صارم. بيد أن ذلك لن يجدي نفعاً، فقد تبع أكبر توسع في الحريات الشخصية في الصين أوسع مظاهرات في تاريخ الصين ضد الحكومة في عام 1989».

أعتقد أن بعض المعلومات مثل هذا المقال ضللت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس بوش، ففي إيران هناك انتقادات كبيرة للحكومة لكن ذلك لا يعني أن الشعب الإيراني يدعم السياسات الأميركية في المنطقة، كما أنها لا تعني أن يدعم الشعب الإيراني تغيير الحكم في إيران من قبل الولايات المتحدة.

يبدو أن إدارة أوباما قد غيرت من نبرتها تجاه إيران، وقد كانت تلك المرة الأولى التي يقوم فيها رئيس أميركي بمخاطبة قائد وحكومة إيران في رسالة التهنئة التي بعث بها في عيد النيروز، حيث استخدم مصطلح «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» مرتين.

كانت تلك هي المرة الأولى التي لا يفرق فيها رئيس أميركي بين دولة إيران وحكومتها، فعلى سبيل المثال عندما نقارن رسالة أوباما برسالة شيمون بيريز يتضح لنا أن بيريز يريد الفصل بين الدولة والشارع. ويبدو واضحاً أن لغة أوباما مختلفة عن لغة بوش، فهناك بون شاسع بين وصم إيران كمحور للشر وبين إرسال رسالة إلى قادة إيران لتهنئتهم.

نحن نواجه الآن تساؤلا في غاية الأهمية. لماذا لم تبد القيادة الإيرانية اقتناعها برسالة أوباما؟ وما هو السبب الرئيس وراء رفضه التام؟

بداية أود أن ألقى مزيداً من التركيز على الحقيقة الهامة وهي أن خامنئي هو الذي رد على رسالة أوباما وليس نجاد! فالكل يعلم أنه بمقتضى الدستور الإيراني فإن المرشد الأعلى هو صانع القرارات العليا وليس الرئيس. وفي بداية خطابه توجه الرئيس أوباما بصورة مباشرة إلى قائد إيران وليس الرئيس الإيراني. وقد فتح خامنئي فصلا جديداً برده الفوري على أوباما.

وصف خامنئي رسالة أوباما بأنها يد حديدية تتخفى تحت قفاز مخملي، وللتأكيد على تلك الفقرة، ذكر بعض القضايا المهمة بين الدولتين، للتأكيد على فكرته. ويوضح تفسير خامنئي العلاقة المعقدة بين إيران وأميركا. وذكر خامنئي بعض القضايا ليظهر أن أوباما وإدارته ليسوا جادين في مقترحاتهم. فقد ذكر على سبيل المثال العقوبات الجائرة ضد إيران في 13 مارس (آذار) 2009 والتي مددها أوباما قبل أقل من أسبوع من رسالته.

وقال أوباما في رسالته إلى الكونغرس: «إن سياسات وأفعال الحكومة الإيرانية مناقضة لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة وتفرض تهديداً مستمراً وغير عادي لمصالح الأمن القومي والاقتصاد الأميركي».

من ناحية أخرى، وفي الوقت ذاته ألقى أوباما باللوم على إيران «لدعم الإرهابيين وطموحهم النووي».

وقال أوباما: «يمكن لإيران أن تأخذ الموقف الصائب في العالم إذا ما تركت الإرهاب ونزعت تجاه السلم». وترفض إيران، وسوف ترفض، ذلك النوع من اللغة، وهذا هو سبب الاختلاف الرئيس بين الرسالتين. من الذي يحدد المكان الصحيح لكل دولة أو أمة؟ وهل تملك أميركا حقاً خاصاً في أن تكون قاضياً للعالم؟

لكن إذا ما انتبهنا جيداً لرد خامنئي يمكننا أن نقول إنه لم يرفض مقترح أوباما، بل على النقيض من ذلك فقد قبله، وقال خامنئي صراحة إذا ما تغيرت أميركا فإننا سنتغير، وذلك هو لب رسالته، بينما فسر بعض الإيرانيين المعارضين للحكومة الإيرانية رد خامنئي على أنه رفض لمقترح أوباما، بيد أنني أعتقد أنهم يقولون بمثل هذه الأمور انطلاقاً من رغبات شخصية، فرد خامنئي يجب ألا يفسر على أنه رفض.

ويبدو أن القصة الأميركية الإيرانية في مكانها الصحيح، حيث يتحدث الزعيمان ـ أوباما وخامنئي ـ إلى بعضهما بعضاً ـ فلذا فإن من الواضح أن الانتخابات الجديدة لن تستطيع التأثير على تلك العملية. فقد ارتكبت إدارة كلينتون خطأ عندما اعتقدت أن الرئيس السابق خاتمي يمكن أن يلعب دوراً فاعلا في عملية إعادة إحياء العلاقات بين الدولتين. وقد وصف مارتن إنديك ذلك الخطأ بوضوح شديد في أحدث كتبه «إنيسنت أبرود».

«لقد اتضح السبب وراء النهج التدريجي الذي اتبعه خاتمي بعد أسبوع من وصف المرشد الأعلى آية الله على خامنئي الولايات المتحدة بأنها (عدو الجمهورية الإسلامية)، مناقضاً لرسالة خاتمي التي أعلنها، فالمحادثات مع الولايات المتحدة لم تعد ذات فائدة ومضرة بالنسبة لنا» (إنيسنت أبرود).

يبدو بالنسبة لي أننا نواجه فصلا جديدا من في العقد الرابع للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وتلك هي المرة الأولى التي لا يصم فيها زعيم إيران الولايات المتحدة بالعدو الخطير، وهي المرة الأولى التي لا يوجد فيها الرئيس الإيراني، ومن ثم وعندما يتم التطرق إلى العلاقات مع أميركا فإن كل شيء ينتهي في قبضة خامنئي.