«الإخوان» و«أولاد العم»!

TT

بينما تفتكُّ وتتحرر شعوب العالم من خلطة الدين والسياسة، وتعتمد منظومة سياسية سوية تمنح المواطن الحق وتكفل له الحرية وتؤمن له العدالة مقابل مبدأ الانتماء الأول للوطن، لا يزال الشرق الأوسط أسير فكرة الخلطة الدينية والسياسية مما يعرض المنطقة ككل لتقلبات وزلازل هي في غنى عنها تماما. إسرائيل أطلقت مشروعها الديني بالإعلان عن دولتها «اليهودية» الخالصة وتكريس تعاملها مع كافة مواطنيها من الديانات الأخرى مثل المسلمين والمسيحيين والدروز والبهائيين مما حدا بالمجتمع الدولي أن يصنف الحركة الصهيونية التي كانت نواة تأسيس دولة إسرائيل بأنها حركة عنصرية، ومع ذلك استمرت إسرائيل تسير على نفس النهج وتتمادى فيه. وفي العالم العربي كانت حركة الإخوان المسلمين التي بدأت سرية وتحولت إلى حركة محظورة، تحاول بشتى الطرق إطلاق مشروعها السياسي بجمهورية دينية تحكم باسم الله بحسب مؤسسها حسن البنا، والمتأثر بمنظره محمد رشيد رضا الشيخ المعروف.

مشروع الإخوان المسلمين هو مشروع سياسي متطرف بامتياز، أدخل الدين في دهاليز السياسة ليروج لمنظومة «جذابة» تدغدغ العواطف والمشاعر ولكنها تكرس فكرا متطرفا يقسم المجتمع بين صالح وفاسد ومؤمن وكافر إلى آخر هذه المصطلحات المدمرة التي لا يحق لأحد أن يستخدمها، فهي تدخل سافر في حق الله في حكم عباده، وليس وسيلة لتكريس السلطة والتسلط سياسيا باسم الدين ونيابة عن الخالق، وهو ذات المبدأ الذي جرأهم على استخدام مسمى الحزب نفسه «الإخوان المسلمون» مما يعني لفظيا أن أحدا غيرهم ليسوا بإخوان وحتما ليسوا بمسلمين! وهذا التوجه هو الذي فتح «الشهية» وبقوة للعديد من الحركات المسلحة والفكرية التي اتخذت من عباءة الدين غطاءً مناسبا لها، فظهرت حركات «الجهاد»، و«التكفير والهجرة»، وغيرهما، حتى رأينا اليوم تنظيم القاعدة بجنونه وعنفه ينتشر في أصقاع الأرض ناشرا إرهابا وموزعا لذعره.

الإسلام هو دين لتوحيد الخالق وعبادته ولممارسة الشعائر وتطبيق معاملات بين العباد لرفع الظلم ونشر الخير بين الناس، وليس منظومة سياسية أو منهجية لحكم الدول والشعوب. هذه مسألة بات من المطلوب حسمها وبقوة، وشهية الإخوان المسلمين للحكم والمغريات التي نشروها في عقول الناس عبر السنين فتحت الباب لظهور حركات خارج المذهب السني لتظهر حركات الدعوة وطبعا حاليا حركة حزب الله التي اختارت هي الأخرى اسما جذابا ومقنعا لتقوية الماركة والصورة الذهنية للحزب وتحقيق Brand Equity للحركة، وكما انتشرت حركة الإخوان المسلمين خارج بلادها الأصلية مصر وبات لها تواجد في دول عديدة مع وجود التنظيم الدولي وإدارته في الخارج، فاليوم حزب الله له تواجد في أكثر من دولة عربية (بالرغم من نفي حزب الله اللبناني لبعض هذه المسائل أحيانا) وطبعا هناك النخاع الشوكي للحزب والمتمثل في إدارته وطبعا موقعها الأساسي في هذه الحالة هو في إيران كما بات معروفا.

أوروبا مرت بكوابيس مهولة جراء خلطة الدين والسياسة، دفعت أثمانها أرتالا من الضحايا وخرابا لا يمكن قياسه ولا حصره بأي حال من الأحوال. ولكنها استفاقت من غفوتها المدمرة وقررت فصل الاثنين عن بعض بروية وعقلانية وحصدت نتاج هذا القرار الجريء والشجاع حياة كريمة وخططا تنموية فعالة ونجاحات مدوية في شتى المجالات لشعوبها عبر الأجيال وفي شتى المجالات. خلطة الدين بالسياسة مهما كانت حسنة النوايا وسليمة الغايات فهي تبقى أشبه باللعب بنيران الكبريت على زيت ساخن سريع الاشتعال وبالتالي عواقب كل ذلك تبقى مدمرة ووخيمة جدا. الدعوة للدين هي مسألة يجب أن تكون محصورة في عبادة الله واتباع تعاليم نبيه دون «استغلال» ظاهر الدين للترويج لمشاريع سياسية تستخدم العنف والتفرقة والتمييز وتصل إلى حد تأسيس ومأسسة التطرف، وهذا داء بات معروفا ووجبت مقاومته، ودون مواجهة تلك المسألة بصرامة وشجاعة ستظل الأفكار والمشاريع «الجديدة» التي تصب جميعها في نفس الاتجاه يأتي الواحد منها تلو الآخر في معمل تجارب كبير اسمه الشرق الأوسط.

[email protected]