مقديشو ـ صعدة ـ سيناء

TT

خط يمتد من رفح في الزاوية الشمالية الشرقية لسيناء شمالا، وحتى خليج عدن والمحيط الأطلسي، مرورا بصعدة والقرن الأفريقي بالصومال حتى تتعدى عاصمته ـ مقديشو. خط يمتد عبر سيناء مرورا بالبحر الأحمر إلى أن يبدأ بمحاذاة السواحل اليمنية فيتجه جهة الشرق، حيث وعورة الجبال في مناطق صعدة اليمنية.

في صعدة، حركة حوثية طائفية أرادت إقامة دولة داخل الدولة، ومراد لها أن تستمر بدعم إيراني مكشوف في محاولة لإسقاط الدولة أو ـ على الأقل ـ كسر هيبتها وانحسار نفوذها إلى العاصمة صنعاء وما جاورها. الحوثيون مستمرون بفرض الفوضى، والوساطات القطرية والليبية لم تنجح في وضع حد لتمرد الفوضى الحوثوي، والحكومة اليمنية لم تحسم المعركة بعد، لأسباب أهمها عدم رغبتها في تعريض المدنيين لمذبحة، لو اكتسحت كافة المناطق عسكريا. الحوثيون، ينتهجون نفس نهج حزب الله وحماس: اضرب واختبئ بين المدنيين العزل. هكذا دمر حزب الله لبنان عام 2006، وهكذا كانت حماس أحد أسباب فتح أبواب جهنم الصهيونية على غزة. الحالتان تسببتا بكوارث إنسانية وبنيوية لا حصر لها، والحركتان سمّتا ذاك الدمار انتصارا ورقصتا ابتهاجا بذاك النصر المدمر في استفزاز صارخ لمآسي الناس وتحد مخزٍ لكل ذي عقل سليم.

حزب الله يعترف ـ بكل وقاحة سياسية ـ بأن له خلايا وأذرعا ناشطة في سيناء مصر، والحجة دوما واحدة: مساعدة الفلسطينيين في غزة! نفس الحجة التي ساقتها الدكتاتوريات العربية مبررا لقمع شعوبها. حزب الله ـ ومن ورائه إيران ـ ينتهك سيادة دولة عربية كبيرة ويقوم بأعمال مجرّمة قانونا تحت ذريعة مساعدة الفلسطينيين للحصول على حقوقهم المشروعة وتحرير دولتهم! تخيلوا: انتهاك قوانين وسيادة دولة قائمة تحت زعم الجهاد لإقامة دولة أخرى من العدم! الطريف والغريب في نفس الوقت أن حماس أنكرت علمها بنشاط حزب الله في سيناء، ولكنها أعلنت تضامنها مع حزب الله.

في صعدة، فرض الحوثيون منهجا دراسيا خاصا بهم، ووضعوا متاريس ونقاط تفتيش في المناطق التي يسيطرون عليها، حجتهم المباشرة هذه المرة ليست فلسطين وإنما دفاعا عن حقوق طائفتهم؟ يذكر أن رئيس الجمهورية اليمنية ورئيس الأركان ومعظم الحكومة اليمنية ينتمون إلى نفس مذهب وطائفة الحوثي! لكن المذهب شيء، وترجمته سياسيا على الطريقة الإيرانية شيء آخر.

وإذا ما اتجهت مغادرا صعدة نحو البحر غربا، ثم استدرت جنوبا، فإنك تكون قد دخلت من باب المندب إلى بحر متلاطم يعج بأسماك القرش المفترسة وأخرى أكثر فتكا من القرش تقفز على السفن وتحتجز بحارتها وتنهب محتوياتها وتطالب بفدية لإطلاق سراحهم؟ أكثر من 260 بحارا قادهم حظهم العاثر إلى الوقوع في أيدي قراصنة يعيشون خارج التاريخ. تعاظم ظاهرة القرصنة هي نتيجة وليست سببا للفوضى، فسقوط الدول المركزية، وغياب النظام القانوني الذي يمكن الاحتماء به بمساواة وعدالة، هي السبب الذي أظهر ظاهرة حزب الله في لبنان، وعصابات حماس في غزة، ومتخلفي الحوثي في صعدة، ولصوص وقراصنة الصومال.

تصرف حزب الله هو تصرف إجرامي، ووقاحة سياسية تعدت كل الحدود، وترجمة لسياسة إيرانية لا تقبل النقاش في الشؤون الداخلية لأكبر بلد عربي، والمبررات التي ساقها هذا الحزب الفوضوي هي عذر أقبح من ذنب، ولا أحسب الفلسطينيين يقبلون بانتهاك سيادة مصر واستغلال قضيتهم لقوى خارجية وأجندات إيرانية، وإلا فإن ذلك يعد نقيصة في قدسية القضية وحقهم المشروع. الفوضى منهج تخريبي يقصد منه إحداث فراغ سياسي ومن ثم ضعف داخلي يعرض السيادة لانتهاكات الخارج، وتدخل قوى أجنبية، هذا ما يسعى له حزب حماس وحزب الله، الأول بدعم من إيران والثاني بتبعية مباشرة ومعلنة لها، وكذا عصابات الحوثي وقراصنة الصومال.