الشعراء والبخلاء

TT

يعيش الشعراء في عالم الجوعى والفقراء على إكراميات ذوي الفضل والمال والجاه ممن اتصفوا بالجود والكرم والعطاء. والويل من لسانهم لكل من أمسك يديه وردهم ببخله وشحه. بجانب كل تلك القصائد الخالدة بالمديح والتعظيم والثناء، توجد روائع الهجاء والذم والتشهير بالبخل والخسة. هذا ما حصل عليه كافور الإخشيدي من المتنبي عندما أمسك يده ولم يجد عليه بما تطلع إليه الشاعر. هكذا غصت عيون الأدب العربي بتلك القصائد التي نالت من البخلاء.

يأتي في طليعة هذه الفصيلة ذلك الهجّاء الرائع، ابن الرومي، صاحب هذين البيتين الشهيرين بحق عيسى بن منصور:

يقتر عيسى على نفسه

وليس بباق ولا خالد

فلو يستطيع لتقتيره

تنفس من منخر واحد

وفي هجائه لبني تغلب لم يجد جرير مثلبا أفضل للمهاجمة من اتهامهم بالبخل:

والتغلبي إذا تنحنح ضيفه

حك إسته و تمثل الأمثالا

وهو بيت لا يدانيه في روعة التصوير والوصف غير قول الأخطل في تجسيم بخل خصومه:

قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم

قالوا لأمهم: بولي على النار

والويل للحاكم الذي يقع في رذائل البخل ويحجب عن الشعراء والأدباء عطاياهم، كما حصل للملك العادل الأيوبي فتصدى له شرف الدين بن عنين كما جاء في «وفيات الأعيان» حين قال:

إن سلطاننا الذي نرتجيه

واسع المال ضيق الإنفاق

هو سيف كما يقال ولكن

قاطع للرسوم والأرزاق

استمر هذا النهج في هجاء البخل والبخلاء إلى أيامنا هذه. وكان من آثار ذلك ما قاله علي الجارم عندما نزل ضيفا على صديق من الأثرياء البخلاء في شهر رمضان فخرج من بيته بهذه الأبيات:

أتى رمضان غير أن ثراتنا

يزيدونه صوما تضيق به النفس

يصومون صوم المسلمين نهاره

وصوم النصارى حين تغرب الشمس

وحاول عبد الحميد الديب أن يحظى عبثا بقدح من اللبن بالنسيئة من السيد المالكي، بائع اللبن في القاهرة وفشل، فشهر به بهذه الأبيات:

بريء منك مولانا ابن مالك

رماك الله في شر المهالك

لبانك كله سم زعاف

ومن غش البرية رأسمالك

فويلك من رجال الحي طرا

ونسوته إذا علموا بذلك!

وهي أبيات تذكرني بما قاله الرصافي في فقره وشقائه بحق العطار الذي رفض أن يبيعه أي شيء بالنسيئة:

عجبا لأهل الأعظمية كيف لا

يرضون جيرة جمعة العطار

جاورته زمنا وكان جواره

في منتهى الإنصاف شر جوار

www.kishtainiat.blogspot.com