ماذا تريد إيران من مصر والسعودية؟

TT

خمسة شواهد متتالية، ساحاتها كل من مصر والسعودية، كشفت عن الوجه الآخر لإيران.

ففي مصر تم الكشف عن مجموعة من خمسين شخصا يتزعمهم لبناني قريب من حزب الله، تهدف إلى القيام بعمليات تخريبية داخل البلاد بدعم وتوجيه مباشر من السيد حسن نصر الله زعيم الحزب الموالي لإيران، قبلها استهدفت طائرات إسرائيلية قافلة سيارات كانت بصدد نقل أسلحة من السودان إلى حركة حماس عبر الأراضي الصحراوية المصرية إلى قطاع غزة، في محاولة لتوريط مصر في حرب طويلة الأمد مع إسرائيل، وذلك في حال اعتدت طائرات العدو الصهيوني على تلك السيارات داخل الأراضي المصرية. سبق كل هذا خطاب ناري من قبل الأمين العام السيد حسن نصر الله طالب فيه الشعب المصري وقواته المسلحة بالخروج بالملايين وعصيان قادته لكسر الحدود مع غزة وإيصال السلاح، في محاولة مفضوحة أيضا من قبل نصر الله لتوريط مصر في مواجهة مع إسرائيل.

وفي الجانب الآخر، في المملكة العربية السعودية، كشف محمد العوفي القائد الميداني لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والذي سلم نفسه طواعية لأجهزة الأمن قبل ثلاثة أسابيع، عن تمويل استخباراتي إيراني لمقاتلي القاعدة بهدف القيام بعمليات داخل السعودية، ولم تمض على تصريحات العوفي أيام قليلة إلا وأعلنت المملكة عن ضبط اثني عشر شخصا يختبئون بإحدى المغارات الجبلية الموجودة على الحدود الجنوبية للملكة مع اليمن. هدف المجموعة كما جاء في بيان أجهزة الأمن خطف أجانب، والقيام بعمليات اغتيال لشخصيات عامة وتدمير منشآت مهمة، وللمرة الثانية تشير المعلومات إلى تورط الدولة الصفوية (إيران) في القضية. إذن ماذا تريد إيران من مصر والسعودية؟! قبل أكثر من ثماني سنوات، وفي إطار سعيها للتفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية حول السلاح النووي، استخدمت إيران كل الوسائل الشرعية، وغير الشرعية. في البداية سهلت طهران لواشنطن مهمة غزو بلدين إسلاميين هما أفغانستان والعراق، ولم تكتف بأن تفعل ذلك في السر تماشيا مع إستراتيجيتها الدائمة، ولكنها راحت تصرح به علانية أمام كافة وسائل الإعلام، وعلى مرأى ومسمع من العالم كله، حينما أعلن مرشدها الأعلى السيد علي خامنئي أنه «لولا إيران لما استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية غزو أفغانستان أو العراق». هكذا ببساطة ودونما خجل، وفي الوقت نفسه ومنذ بدء الضربة الجوية الأمريكية على أفغانستان في الثاني عشر من أكتوبر عام 2001 بدأت إيران ـ عن طريق الحرس الثوري ـ في استقبال عشرات القادة من تنظيم القاعدة على أراضيها، أعدت لهم المأوى الآمن ووفرت لهم سبل الإعاشة الكاملة لاستخدامهم فيما بعد بما يخدم إستراتيجية التفاوض مع واشنطن والغرب حول السلاح النووي. أرادت إيران الإمساك بالمقبضين، التعاون مع أمريكا من جهة، وشراء ولاء القاعدة، العدو اللدود لأمريكا، من جهة أخرى. إستراتيجية يعجز الشيطان نفسه عن القيام بها أو فهم تركيبتها. وامتدادا لهذه السياسة راحت إيران، عبر عناصر من طالبان وأخرى من مرتزقة الاتحاد السوفيتي السابق تكيل الضربات لحلف الناتو والقوات الأمريكية في أفغانستان، هذا في الوقت الذي كانت تساوم فيه علنا على دم الشيعة في العراق، عبر عمليات وحشية، مدفوعة الأجر، تقوم بها القاعدة بدعم من الحرس الثوري وبتوجيهات قادة القاعدة المقيمين في إيران، والهدف كان واضحا، إخافة الشيعة ودفعهم للارتماء أكثر في أحضان طهران.

سياسة الدفع إلى حافة الهاوية ثم العودة، مرة أخرى، للحوار عبر وسطاء، هو ما دأبت طهران على القيام به خلال أكثر من ثماني سنوات، هي عمر ما أطلقت عليه واشنطن مصطلح الحرب على الإرهاب. ساحتان وإستراتيجية واحدة، أفغانستان والعراق، كانتا مسرح السياسة الإيرانية في المرحلة السابقة، ولكن لم يدر بخلد أحد أن تمد إيران إستراتيجيتها خارج هاتين الساحتين وبالتحديد إلى مصر والسعودية مستخدمة ذات الأساليب غير الشرعية التي استخدمتها في كل من كابل ثم بغداد.

تهدف طهران من هذه الإستراتيجية الجديدة، شغل البلدين الكبيرين أصحاب الثقل العربي والدولي والإقليمي الكبير في المنطقة، عن كافة الملفات المهمة في الشرق الأوسط، والانكفاء على الداخل، في محاولة مفضوحة لعزل الدولتين عن المحيط الدولي أو بالحد الأدنى تقزيم دورهما الإقليمي على حساب عملقة الدور الإيراني.

بالنسبة لمصر سعت إيران إلى دفعها بكل قوة لمواجهة مفتوحة مع إسرائيل تخرج مصر من دائرة الفعل الإقليمي وتخلي الساحة لطهران إلى الأبد، وعندما لم تنجح طهران عبر نداءات رجلها حسن نصر الله للشعب المصري، حاولت أن تلعب لعبة إدخال الأسلحة عبر أراضيها لدفها إلى تلك المواجهة مرة أخرى وبصورة ملتوية، وأخيرا كان الدفع بتلك المجموعة لذات الهدف التخريبي.

وبالنسبة للمملكة لعبت إيران معها مباراة كبيرة، بدءا من توجهات الخبر التي أتت من قلب إيران، وحتى توفير المأوى والأمن لكافة عناصر القاعدة الكبرى مقابل عمليات داخل السعودية، وانتهاء بالكشف عن العناصر الإثني عشر على الحدود الجنوبية وأهدافهم المدعومة إيرانيا. بالطبع سيخرج علينا من أبناء جلدتنا من يعيب علينا هذا التحليل، المبني على معلومات واضحة ودقيقة، وسيتناسون أنهم نفس الأصوات التي عابت علينا، من قبل، الربط بين تنظيم القاعدة وإيران بحجة الخلاف المذهبي، بين إيران الشيعية صاحبة نظرية ولاية الفقيه، والقاعدة السنية صاحبة نظرية الخلافة الإسلامية، لم يفكر هؤلاء للحظة ولم يدر بخلدهم آنذاك، كما سيفعلون اليوم وغدا، أن السياسة تختلف عن المذاهب وأن إيران لا تعرف غير مصالحها السياسية والإستراتيجية وأنها ستسعى بكل ما أوتيت من قوة لتحقيقها ولو أدى هذا إلى التخطيط لضرب مصالح مصرية أو سعودية، بدعوى أن الدولتين تشكلان عائقا أمام الطموحات الإيرانية لتزعم المنطقة، ودخول النادي النووي. وحتى عندما تكشفت تلك العلاقة، بشكل جلي، للقاصي والداني رفض بعضهم الاعتراف بها، وتحدث آخرون عنها كبديهيات، دون خجل أو وجل أو اعتذار.

وأخيرا فإن المواجهة الإيرانية الخشنة مع البلدين، واستخدام حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، وشيعة الخليج، ربما فيما بعد، لن ينفع إيران بشيء، بل على العكس سيزيد من عمق أزمتها، وسيوسع من دائرة المواجهة معها، والأيام القادمة حبلى ربما بما لم تكن تتوقعه طهران ولا عملائها في المنطقة.

* كاتب مصري