القمم الكونية.. والشرق الأوسط

TT

في مؤتمر يالطا عقب الحرب العالمية الثانية حُددت صورة النظام العالمي لمرحلة ما بعد الحرب، فكانت الحرب الباردة، والعالم الثنائي الأقطاب.

في قمة ريكيافيك الثنائية في أيسلندا بين الرئيسين ريغان وغورباتشوف، حدد تقريبا مصير إمبراطورية الشر، كما سماها ريغان. بعدها، كانت الولايات المتحدة الأميركية المهيمنة على النظام العالمي، ليصبح العالم أحادي القطب.

بعد كارثة 11 سبتمبر (أيلول)، والغرق الأميركي في العراق، ثم الأزمة المالية، أطلق المفكر ريتشارد هاس على النظام العالمي تسمية «اللا قطبية». بكلام آخر، أراد أن يقول إن القوة والقدرة في عالم اليوم موزعتان على لاعبين كثر: دول ومنظمات إرهابية وغيرها، بحيث لا يستطيع فريق واحد أن يحسم وحده أمرا ما يكون له تداعيات على الساحة العالمية.

من هنا كانت القمم الكونية التي شهدناها أخيرا وهي بالجملة. في 31 مارس (آذار) ميدفيديف وميركل، بالإضافة إلى مؤتمر هيغ حول أفغانستان، حيث تحضر إيران بدعوة أميركية.

في 1 أبريل (نيسان) ميدفيديف مع براون. في 1 أبريل أيضا، في أنقرة، تركيا أفغانستان وباكستان، قمة رئاسية حضرتها أيضا القيادات العسكرية العليا، الأفغانية والباكستانية.

أيضا في 1 أبريل، أوباما وميدفيديف في لندن، وأوباما مع الرئيس الصيني. ميدفيديف مع الرئيس الصيني. أوباما مع رئيس الوزراء الهندي. هذا عدا قمة العشرين المعنية مباشرة بالأزمة المالية العالمية، حيث حضور المملكة العربية السعودية.

في 3 ـ 4 أبريل تُعقد في بادن قمة الحلف الأطلسي. تليها في 5 ـ 6 أبريل القمة الأميركية ـ الأوروبية، وفي 6 ـ 7 أبريل قمة أوباما مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في تركيا.

من الطبيعي أن يخرج عن هذه القمم الكثير من القرارات لترتيب شؤون العالم الأمنية والمالية كما السياسية. لكن الجديد فيها، هو في العدد الكبير للمشاركين والمقررين. فمن منهم لديه القدرة العسكرية لا يملك الحل للأزمة المالية. ومن يملك القدرة المالية والسيولة، قد لا يملك القدرة العسكرية. أو قد يملك القدرتين العسكرية والمالية معا، لكنه غير جاهز لتسلم زمام القيادة العالمية، أو هو غير راغب.

لكن الأكيد، أن العالم اليوم قد أصبح حتما متعدد الأقطاب. وهذا أمر سيعقد فترة تكون نظام عالمي جديد. فكلما كان عدد القوى أقل، كانت القرارات أسرع وأسهل. ومن هذا المنظار، كان النظام العالمي الثنائي البائد الأكثر استقرارا على صعيد الحروب الكبرى.

ماذا عن مؤشرات هذه القمم؟

لا أحادية عالمية أميركية بعد اليوم وباعتراف وطلب من الرئيس الأميركي في خطبه خلال القمم. لقد صارت أميركا الأولى بين متساوين. لا يمكن للقوة العسكرية وحدها أن تدير شؤون العالم، كما لا يمكن عسكرة السياسة الخارجية للقوى الكبرى. فالدليل على ذلك هو حرب روسيا على جورجيا، ودون رد عسكري من الناتو ومن الحليف الأميركي.

كذلك، ورغم الحاجة الملحة إلى إصلاح المؤسسات الدولية، كمجلس الأمن وصندوق النقد الدولي، لا يبدو أن الحلول سريعة، إذ يجب الانتظار طويلا كي تتوضح موازين القوى العالمية، ليقتنع من يقتنع بضرورة التغيير، ويسير من يسير بالإصلاح لكن مُرغما.

هذا في العالم، لكن يمكن استشراف الكثير من المؤشرات الإقليمية. فماذا عنها؟

في هذه القمم حضرت المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا وغيرها. إذ أن للسعودية دورا مهما في قمة العشرين. يدل هذا الأمر على الدور السعودي العالمي الذي سيكون له تداعيات إقليمية. بالنسبة إلى المملكة إقليميا، تريد المملكة احتواء إيران وإعادة إحياء الدور العربي. فهل، وكيف سيتم التوفيق بين الشأن المالي العالمي وصورة النظام الإقليمي ـ الخليجي كما العربي؟

إن عقد القمة الأميركية ـ التركية، بعد زيارة أوباما لتركيا، يدل على تحول كبير في أهمية تركيا الإقليمية، خاصة للولايات المتحدة الأميركية. كذلك، يجب ألا ننسى القمة التركية ـ الأفغانية ـ الباكستانية. ويدل هذه الأمر على مستقبل زاهر لتركيا على صعيد محيطها، وذلك إذا أحسنت التعامل مع الوضع، وخاصة إذا كانت مستقرة داخليا. فتركيا، وبسبب موقعها الجغرافي، تطل وتؤثر في الاتجاهات الآتية: القوقاز، البلقان، آسيا الوسطى وحتى باكستان، وبالاتجاه العربي. هذا عدا أنها تعتبر الممر الحيوي لطاقة آسيا الوسطى في الاتجاه الأوروبي.

فسوف يكون لتركيا، وهي عضو الناتو، دور أكبر في أفغانستان. كذلك ستواصل دور الوسيط بين إسرائيل وسورية. وأخيرا ستكون اللاعب الموازن لإيران في المنطقة، خاصة بعد غياب عراق صدام حسين.

إن لقاء الصدفة الذي حصل بين الممثلين الإيراني والأميركي في قمة هيغ التي حضرتها 80 دولة، والتي ستعالج معضلة أفغانستان بالتعاون مع الدول المحيطة بأفغانستان هو لقاء محضر بالطبع، لكنه إشارة إلى مزيد من الانفتاح بين واشنطن وطهران.

وبذلك تكون قد ظهرت إقليميا ثلاث دول مهمة للمرحلة المقبلة هي: المملكة السعودية بفضل قدرتها المالية، ولأنها تشكل قلب الإسلام وروحه. إيران بسبب قدرتها على التأثير في العراق ولبنان وغزة، وأيضا في أفغانستان. وتركيا التي تشكل القلب الجيوبوليتيكي لكل مشكلات أميركا في المنطقة، فهي الحل، وقد تكون المشكلة. من هنا زيارة أوباما الخاصة لتركيا، مع إمكان تسليفها نحو 10 مليارات دولار في القريب العاجل من صندوق النقد الدولي.

في هذه المعادلة، يبدو أن أميركا تعتمد تجاه منطقة الشرق الأوسط استراتيجية لعبة التوازن من بُعد. فهي ستقيم التوازن بين القوى الإقليمية الكبرى، مع الأخذ في الاعتبار مصالح هذه القوى، على أن تكون هي اللاعب المُوازن. أما الغائبان الأكبران عن هذه القمم فهما سورية وإسرائيل. فعند لعب الكبار الكبار، يتراجع دور القوى الإقليمية الصغرى، خاصة إذا لم يكن لديها ما تقدمه أمام مذبح المصالح الكبرى. فما نفع النووي الإسرائيلي، الذي يجعلها الأقوى إقليميا، لحل الأزمة المالية، أو لحل أزمة أميركا في كل من العراق وأفغانستان؟ وما نفع شعار قلب العروبة النابض في الشام، إذا لم يكن لدى سورية ما تقدمه لمصالح القوى الكبرى؟ وإذا كان الرد أن لدى سورية موضوع لبنان، أي حزب الله، كما موضوع حماس في غزة، فقد يكون الرد أن هذين الأمرين قد يمكن التعامل معهما عبر إيران، لتصبح المشكلة إيرانية ـ سورية، خاصة أن سورية تتعرض لضغوط من اتجاهات عدة هي: المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، المشكلة مع وكالة الطاقة الذرية، معضلة العقوبات الأميركية عليها، اتهامها بدعم الإرهاب. من هنا، على كل من سورية وإسرائيل انتظار مرحلة ما بعد القمم لمعرفة شكل النظام الإقليمي المُنتظر. كما عليهما أن تعتادا تأدية دور أقل أهمية مما كان عليه الوضع سابقا في المنطقة. فهل ستقبلان بذلك؟ وإذا لا، كيف ستردان لتحسين وضعيهما؟ وإذا ردتا أين سيكون الرد؟ لبنان؟ فلسطين؟

* عميد متقاعد في الجيش اللبناني وباحث أكاديمي