تلك هي أهمية الاسم

TT

ذات مرة كنا في واشنطن، الأستاذ غسان تويني وزوجته ناديا، والدكتور كلوفيس مقصود وزوجته هالة والداعي. وقرر السادة السفر إلى نيويورك. فاقترحت هالة مقصود، أننا ما دمنا خمسة لماذا لا نستأجر سيارة ونمتع النفس بمشاهد الطريق. وبالطبع كان على الأصغر سنا أن يقود، على أن تتولى هالة إرشادي على الطريق السريع. كانت تلك إحدى رحلات العمر بما امتلأت من دعابات وذكريات ضاحكة يرويها المسافرون لتسلية سائقهم، والتأكد من أنه لن يغفو على الطريق 95 كما يغفو على كرسيه. وأطلقت عليّ ناديا تويني اسم «فيرمان»، وهو الاسم الشائع عند السائقين الفرنسيين، كما هو اسم «عطيات» عند الشغالات في الأفلام المصرية، والعم حسنين عند بوابي العمارات، و«شكيب» في هزليات زياد الرحباني.

وبعد الرحلة ظل رفاق الرحلة ينادونني «فيرمان» ولا أزال ألتفت من بين الحضور إذا قال غسان تويني أو كلوفيس: «كيفو خيي فيرمان». وكان صاحبنا شكسبير قد أطلق منذ خمسة قرون واحدة من عباراته المأثورة المرافقة للأجيال: «ما أهمية الاسم»، التي يترجمها البعض بحرفيتها «ماذا في الاسم».

وكنت في مصر قبل حوالي عشر سنوات عندما قرأت اسم نائب من آل لكع الكرام. وبدأت أجمع أسماء الرسميين والموظفين والصحافيين (رحم الله محمد الحيوان) التي تدخل في باب الطرافة إن لم يكن الاستهجان. ثم عدلت، خشية أن لا يتحمل بعض أصحاب هذه الأسماء فكرة الدعابة، كما حدث لصديق لنا حاول إقناع صديقه بتغيير اسم «الوحش»، فاعترض هذا على إهانة الإرث العائلي قائلاً: «وحش ونص». ويبدو أن كل اسم له قصة وإلا لفضلت الناس اسم النسر على عائلة القط الشهيرة، ومنها وجهاء كثيرون، لا يباريهم سوى آل الفار. وهما يشكلان بالإنكليزية سلسلة الرسوم المتحركة الجميلة «طوم وجيري». وهناك الحصان والنمر والديك والجحش وأعزاؤنا آل النملة حفظهم الله وبارك أعمالهم التي تفوق حجم الفيل. وعندنا في لبنان من العائلات الكريمة الأعرج والأعور والأحمر والأصفر. ويسمي المصريون رمسيس لكنهم يتوقفون، لله الحمد، عند رع أو خوفو أو حتشسبوت. فليس كل ما في التاريخ يُقتدى وإلا لشاع كُلَيب وحِميَر ولا كعبا بلغت ولا كلابا.

عرفنا أسماء تركية مثل نشأت وحكمت، ولذلك نكتبها بالتاء الطويلة خطأ متوارَثا. أو دولت أو عزت، كما في السيد عزت الدوري الذي كلما سرَت شائعة حول وفاته نفاها بثلاثة تفجيرات قاتلة في أسواق بغداد. ومن الأسماء الشائعة في لبنان ديب ودياب. ورحم الله دياب الجوهر، فقد كان أطرف الندماء ولا علاقة له بكتيبة الذئاب التي أُعطيت له اسما رافقه نحو مائة وعشر من السنين.