فتيل قصير في باكستان

TT

تبدو باكستان مثل قنبلة مولوتوف تنتظر عود ثقاب، حيث تتناحر النخبة الحاكمة داخلها للفوز بالسطوة السياسية، بينما يرفع متمردو حركة طالبان في الشوارع من وتيرة عملياتهم الانتحارية. ويقوم الجيش هناك بدور المصلح الوطني، في الوقت الذي يخشى فيه من الثوّار المسلمين داخل صفوفه نفسه. وفي هذه الأثناء، ترتبط الولايات المتحدة، الصديق والمتبرع التاريخي لباكستان، في أذهان العامة بالطائرات دون طيار التي تحلق فوق الحدود الغربية وتغتال مسلحي طالبان بالتوجيه عن بعد.

وهذا هو السبب الذي دفع مبعوثين بارزين في إدارة أوباما، هما السفير ريتشارد هولبروك، والأدميرال مايك مولين، إلى القيام بزيارة عاجلة إلى هنا لتوضيح الاستراتيجية الجديدة للإدارة إزاء أفغانستان وباكستان. وخلال الجولة السريعة، جمعوا أدلة على أزمة باكستان، ونظروا في طرق مساعدة البلاد على العودة إلى الاستقرار.

وجاءت إشارة إلى المشاكل التي تعاني منها باكستان بعد وصول هولبروك ومولين إلى هنا. كانت آن بترسون، السفيرة الأميركية التي يُنظر إليها بعين الاعتبار، قد اجتمعت مع النخبة السياسية في باكستان، بهدف الترحيب بالأميركيين الزائرين. وخلال اجتماع طرحت فيه أسئلة وأجيب عليها، حدثت مشادة كلامية بين مؤيد بارز للرئيس آصف علي زرداري، ومناصر لرئيس المحكمة العليا افتخار محمد تشودري. وكان الخلاف، الذي أوردته بعد ذلك الصحف الباكستانية، لقطة للدولة المشغولة بالتناحر، لدرجة أنها تعجز عن حل مشاكلها.

وفي الصباح التالي كانت هناك أدلة جديدة على الأخطار التي تتهدد باكستان. اجتمع هولبروك ومولين مع مجموعة من القيادات القبلية الشابة الذين سافروا، وتحملوا مخاطر كبرى خلال ذلك، من وزيرستان وغيرها من المناطق الحدودية الأخرى. كان البعض منهم يرتدي عمائم ملونة تقليدية، فيما ارتدى آخرون ملابس غربية. لو عرفت قيادات طالبان في الأماكن التي أتوا منها أنهم كانوا يجتمعون مع المبعوث الخاص لأوباما ورئيس هيئة الأركان المشتركة، لكان يمكن أن يتعرضوا للقتل.

وفي الواقع، سمعت كلاما أكثر وضوحا من القبليين الشباب، أكثر مما قالته النخبة في استقبال السفارة. وقال الرجال الشباب إنه يجب على أميركا أن تمرر المساعدات عبر الزعامات القبلية، بدلا من تمريرها عن طريق الحكومة الباكستانية الفاسدة. ويجب على أميركا أن تدرب حرس الحدود، بدلا من الاعتماد على أفراد قوات الجيش الباكستاني، الذين يُنظر إليهم على أنهم غرباء. وللحد من المدارس الإسلامية المسلحة، يجب على الولايات المتحدة أن تساعد على تحسين المدارس العامة المطبقة في المنطقة.

وبعد ذلك بيوم، اجتمع زرداري معنا في مكتبه الذي يطل على المدينة. وكان مقنعا عندما ناقش إرث زوجته الراحلة بي نظير بوتو، التي قتلت في ديسمبر (كانون الأول) 2008 بما أطلق عليه «سرطان» الإرهاب الإسلامي. ولكن فيما يخص بعض القضايا الاستخباراتية والأمنية الكبرى، زعم أنه لا دراية له ولا رغبة في تحويل اللائمة إلى الآخرين، وكان الانطباع العام أنه رئيس بالصدفة، ما زالت قبضته على السلطة مشكوك فيها.

وعرض زرداري مقترحا خادعا لما نقوم به بخصوص الطائرات دون طيار، حيث قال «سنقدر ذلك، إذا ما نقلت التقنية»، وعليه، يمكن أن تكون الطائرات دون طيار «مطرقتنا ضد التهديد (الإرهابي). حينئذ يمكننا أن نبررها». بعد ذلك قال مسؤولون أميركيون «إن تعليق زرداري يعرض خطوة إلى الأمام».

وكما هو شائع في الدول المناصرة للولايات المتحدة، فإن جزءا من المشكلة هنا هو الفجوة بين ما يُسِرّه المسؤولون، وما يصرحون به علنا. وتعلم القيادات الباكستانية أن هجمات البريداتور تساعد في الحرب ضد طالبان في وزيرستان النائية، ولكنهم لا يريدون أن يظهروا وكأنهم تابعون لأميركا. ولذا، فإنهم يعارضون علنا ما يقبلونه سرا. وبصورة أو بأخرى، فإنه يجب سد هذه الفجوة.

وإذا كان ثمة إشارة إيجابية في هذه الفوضى، فهي في عدم تدخل الجيش الباكستاني لتنظيف هذه الفوضى. وما فتئ الجنرال أشفاق كياني، رئيس أركان الجيش الباكستاني، يقول للساسة المتناحرين إن عليهم الاجتماع سويا. ولكن يبدو أنه يعي أن الطريق إلى الاستقرار لن يكون عن طريق انقلاب عسكري جديد، ولكن عن طريق جعل هذه الديمقراطية صعبة المراس تؤتي ثمرتها قبل أن يفوت الأوان.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ («الشرق الأوسط»)