نقب عن النفط أيها الصغير

TT

عندما كنت أقوم بجولة بيئية خلال إبحاري في نهر تيمسكيو في كوستاريكا، شاهدت تمساحا يلتهم سمكة بنية ذات زعنفة واحدة. لم يستغرق المشهد سوى بضع ثوان، فقد برز رأس التمساح من المياه الموحلة بالقرب من شاطئ النهر وهو يمسك بالسمكة بين فكيه. سحق التمساح السمكة بأسنانه الحادة عدة مرات، ثم ابتلعها دفعة واحدة. كان ذلك شيئا لم يحدث أن رأيته من قبل.

يمكن لزائري كوستاريكا، في الوقت الحالي، أن يشاهدوا التنوع البيولوجي في كل أنحائها ـ أكثر من 25% من البلاد محميات ـ والفضل في ذلك يرجع إلى النظام الفريد الذي وضعته للحفاظ على تلك الثروة من التنوع النباتي والحيواني. وبإمكان الكثير من الدول أن تتعلم هذا النظام.

وتصر كوستاريكا، التي زرتها أكثر من أي دولة أخرى، على جمع النمو الاقتصادي بالعمل البيئي، فقد قامت بإعداد استراتيجية شاملة تهتم بأمر النمو، وهو مطلب يقتضي الترتيب الدقيق لكل الأمور. لذا، إذا ما كان هناك مصنع كيماويات يبيع أطنانا من الأسمدة لكنه سيلوث النهر، أو مزارع يبيع الموز لكنه يدمر الغابة التي تمتص ثاني أكسيد الكربون، أو الحفاظ على الأحياء الموجودة بها، فإن ذلك لا يعتبر نموا صادقا. فيجب عليك أن تضحي مقابل استخدام الطبيعة، أو ما يسمى «الدفع مقابل الحصول على الخدمات البيئية». لكن لا أحد الآن يكترث لمعالجة قضايا المناخ أو المياه أو الشعاب المرجانية أو الأسماك أو الغابات بصورة مجانية. بدأت هذه المسيرة التي سعت إلى الحفاظ الكامل على نعمة التنوع البيولوجي الرائعة في كوستاريكا، التي تقع بين قارتين ومحيطين، في التسعينات، ورأت أن تقدمها الاقتصادي مرهون بحمايتها، لذا فقد قامت بشيء لم يقم به أحد آخر من قبل، حيث قامت بوضع الطاقة والمناجم والمياه والموارد الطبيعية تحت إشراف وزير واحد. وشرح لي كارلوس رودريغز، الذي عمل في هذا المنصب في الفترة ما بين 2002 و2006، ذلك بقوله: «يضع وزير البيئة في كوستاريكا سياسة الطاقة والمناجم والمياه والموارد الطبيعية»، وأشار إلى أن «وزراء البيئة في غالبية البلدان يتعرضون للتهميش، وينظر إليهم على أنهم أشخاص يرغبون في إعاقة التقدم، وليس كأفراد يحاولون إحداث قيمة معينة، ووظيفتهم محاربة وزير الطاقة الذي يرغب في التنقيب للحصول على نفط رخيص». لكن عندما وضعت كوستاريكا مسؤولية الطاقة والبيئة في يد وزير واحد، فقد خلقت، على حد قول رودريغز الذي يشغل الآن منصب نائب مدير منظمة كونسرفاشن إنترناشيونال، «طريقة مختلفة للتفكير بشأن كيفية حل المشكلات. وقد تمكن قطاع البيئة من التأثير على خيارات الطاقة بالقول: إذا ما كنتم ترغبون في الحصول على طاقة نظيفة ورخيصة فإن أرخص أنواع الطاقة على المدى البعيد يكمن في الطاقة المتجددة، لذا دعونا لا نفكر في مجرد الشهور الستة المقبلة فقط، دعونا نفكر في الأعوام الخمسة والعشرين المقبلة». نتيجة لذلك استثمرت كوستاريكا بصورة كبيرة في مجال الطاقة الكهربائية المستخرجة من المياه والرياح وحرارة الأرض، وهي اليوم تحصل على 95% من احتياجاتها من الكهرباء من هذه المصادر المتجددة. كانت كوستاريكا تحصل في عام 1985 على 50% من احتياجاتها من الطاقة من مساقط المياه، و50% من النفط، لكن المثير للدهشة أن كوستاريكا اكتشفت نفطها الموجود على أراضيها منذ خمسة أعوام فقط، لكنها حظرت التنقيب عنه كي لا تلوث من سياساتها أو بيئتها. فمن هي الدولة التي حذت حذو كوستاريكا وقامت بحظر التنقيب؟ ساهم رودريغز أيضا في الترويج لفكرة أن الخدمات التي يقدمها النظام البيئي لدولة مثل كوستاريكا تعتمد على السياحة والزراعة، ستكون أمرا هاما بالنسبة للنمو، ولا بد من وجود ثمن له. وقد فشلت غالبية الدول الآن في الإعداد للمظاهر الخارجية للأنشط الاقتصادية، لذا فعندما يقوم مصنع أو فلاح أو منشأة للطاقة بتلويث الهواء أو النهر ويدمر الأرض الرطبة ويستنزف الأسماك أو الطمي في النهر ـ مما يجعل المياه غير قابلة للاستخدام ـ لا يضاف ذلك إلى فاتورة كهربائك أو إلى سعر حذائك.

وقد تبنت كوستاريكا وجهة النظر القائلة بأن مالكي الأراضي الذين يحتفظون بغاباتهم سليمة وأنهارهم نظيفة سوف يتلقون دعما، لأن الغابات حافظت على مصادر مياه الأنهار وحافظت على الأنهار خالية من الطمي، وهو ما عمل لصالح مالكي السدود والصيادين وشركات السياحة البيئية.

ولكي تقوم كوستاريكا بدفع مقابل هذه الخدمات البيئية، قامت في عام 1977 بفرض ضريبة على انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون ـ 3.5% من القيمة السوقية للوقود الحفري ـ تذهب إلى صندوق الغابات الوطنية لتدفع للمجتمعات الفقيرة لحماية الغابات من حولها، كما تفرض الدولة ضريبة على المياه في المناطق الرئيسة التي يوجد بها مستهلكو المياه ـ سدود إنتاج الطاقة الكهربائية والفلاحون ومزودو مياه الشرب ـ الذين يضطرون إلى الدفع للقرويين للحفاظ على الأنهار نظيفة. ويضيف رودريغز: «إن لدينا الآن أكثر من 7,000 مستفيد من ضرائب ثاني أكسيد الكربون والمياه، ولقد أصبحت مصدرا أساسيا للدخل للفقراء، كما مكنت كوستاريكا من الحفاظ على غاباتها. وقد أصبح لدينا الآن ضعف عدد الغابات التي كانت لدينا منذ عشرين عاما».

نحن نحتاج في نقاشنا حول مستقبل الطاقة الجديدة إلى نتذكر أن الطبيعة تقدم عددا من الخدمات الاقتصادية الرائعة، بداية من تثبيت نسبة ثاني أكسيد الكربون إلى تنقية المياه إلى الجمال الطبيعي للسياحة. وإذا لم تراعِ السياسات الحكومية تلك الخدمات وتقوم بالدفع لهؤلاء الأفراد الذين يدعمون قدرة البيئة على تقديم هذه الخدمات، فإن تلك الأمور ستتعقد، وسوف ينتهي بنا الأمر إلى سلب خيرات كل من الإنسان والبيئة. لكن الأسوأ هو أننا بدأنا نعد قانونا في صورة غازات البيوت الزجاجية والديكتوريات البترولية وخسائر التنوع البيولوجي التي يتم تحميلها على كروت الائتمان الخاصة بأبنائنا لكي يدفعوها فيما بعد، لكن لم يعد هناك ما يدفعونه في المستقبل، وعندما يأتي هذا الوقت سيكون الأوان قد فات.

*خدمة «نيويورك تايمز»