أكثر من مجرد جامعة!

TT

السعوديون يتأهبون لاستقبال تاريخ جديد ومهم، وتحديدا تاريخ انطلاقة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، التي تستعد لفتح أبوابها لاستقبال أول موسم دراسي بعد هذا الصيف، وتحديدا في شهر سبتمبر. جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بلا أي مبالغة هي أهم مشروع تعليمي حديث في العالم العربي بأسره. فالجامعة مُنحت من التمويل والمزايا والتشريعات ما هو غير مسبوق، وتقع على عاتقها طموحات وآمال آلاف من الطلبة والطالبات وأولياء أمورهم الراغبين في مستوى تعليمي منافس وجادّ يليق بالمعايير والمقاييس الدولية.

السعودية مثل غيرها من الدول العربية تعاني من مستوى تعليمي متدني. وعليه تحول التعليم إلى قطاعٍ التحديَ الأكبر والأخطر الذي تواجهه البلاد. خُصصت للقطاع أموال غير مسبوقة للنهوض فيه، ولكن العاهل السعودي أدرك أن المسألة ليست مادية فحسب، ولكنها مسألة تغيير «ثقافة وفكر القطاع نفسه». ولذلك جاءت فكرة الجامعة الجديدة.

وسُلمت فكرة إيجاد كيان «تعليمي مميز وعلمي ومنافس وقوي» لأهم منظومة إدارية وأنجحها بالسعودية، وتحديدا سُلمت لشركة «أرامكو»، وأوكل إليها مهمة بناء الجامعة من الناحية التنفيذية وتأسيس فريقها الإداري ووضع سياساتها. وتفوق فريق «أرامكو» على نفسه واختصر الوقت وسابق الزمن، وها هو يستعد لبدء الفصل الدراسي الأول قبل الجدول الموضوع له في الخطة أساسا، وأتم استقطاب أهم العقول الإدارية لإدارة الجامعة وأهم الكوادر الأكاديمية للتعليم من شتى أنحاء العالم بخلفيات باهرة وناجحة. جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية تنطلق بخطة طموح جدا غايتها منافسة أهم الجامعات الدولية وتحديدا هارفارد وستانفورد وأكسفورد والسوربون وكامبردج ومعهد ماساتشوستس للتقنية ويال وبركلي وكال تك وغيرها من الجامعات الرائدة، ولذلك لم يكن خادم الحرمين الشريفين يبالغ حين وصف هذه الجامعة في لقائه الأخير مع كوادرها بأنها «المشروع الحلم». هذه الجامعة التي تقع في مدينة «تول» الحالمة الصغيرة والمعروفة بأنها أساس مدينة صيادي الأسماك مرشحة أن تكون قلب الثورة التعليمية الجديدة للبلاد.

السعودية التي اهتمت بإطلاق ثورات صناعية في مدنها الصغيرة مثل الجبيل وينبع ورابغ تطلق الآن «بركانها» التعليمي. منذ سنوات عرف السعوديون ثلاث تجارب «فكرية» مهمة جاءت إليهم من خلال تجارب في عالم الخدمات والأعمال. الأولى «أرامكو» في المنطقة الشرقية، والثانية «الخطوط السعودية» في جدة، والثالثة المستشفى التخصصي في الرياض، والثلاثة تجارب جاءت بذهنية إدارية وثقافة فكرية معها، وكان من المفروض أن تؤثر على تطور المناخ العام لكل منطقة، ولم تنجح سوى تجربة «أرامكو» وبامتياز عبر السنوات، ولكن القطاع التعليمي بقي طوال السنوات التي راحت يعاني مر المعاناة من سوء الإدارة والمنهجية، حتى المثال «الجميل» الذي كانت عليه جامعة البترول والمعادن أول إطلاقه تحول مع الأيام إلى حال سيئ ولحق بركب الجامعات الأخرى بعد أن دخلت عليه يد البيروقراطية العقيمة فأعادته إلى الوراء. اليوم هناك طموح عال وآمال كبيرة تنتظر «أهم» مشروع تعليمي في تاريخ السعودية والمنطقة، وكل الأمل أن تأتي النتائج بقدر الطموح.

[email protected]