عندما تصبح الدعاية بطولة

TT

سُرّ النظام الإيراني من انسحابات الدول الأوروبية ومقاطعةِ الولايات المتحدة وغيرها خطابَ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في مؤتمر مكافحة العنصرية في سويسرا وما تلاه من جدل إسرائيلي مع الدولة المضيفة. فالنظام الإيراني، وعلى مدى عقود، في حالة اشتباك دعائية مع الإسرائيليين، وكلا الطرفين مستفيد من صداها. فإسرائيل تجد في التهديدات الكلامية بمحوها من الخارطة واستهدافها بالقنبلة النووية الموعودة والصواريخ البالستية ذريعة لكسب التعاطف والأموال والتهرب من المطلب الدولي بالوفاء بالتزاماتها تجاه الفلسطينيين. أما إيران فهي مسرورة بالتصفيق وتزهو بالإعجاب في العالمين العربي والإسلامي اللذين يجدان في كل متحد لإسرائيل بطلا دون تفكير في حقيقة البطولة. وإيران تقلد خطوات الرئيس العراقي السابق صدام حسين الذي عاش معظم سني حكمه في صراع كلامي مع إسرائيل، وظل معجبا وفخورا بما يحققه في الشارع العربي من بطولة كلفته في النهاية كل شيء، حتى حياته. وحتى إبان اعتماد صدام على الغرب في محاربة إيران في الثمانينات كان يتعمد مشاغبة الغربيين ظنا منه أنها من ضرورات الزعامة الإقليمية. أمسك بصحافي بريطاني مسكين كان في زيارة لبغداد وقام بإعدامه بحجة التجسس. وعقد مؤتمرات صحفية يسخر من اتهامات بأنه يسعى لبناء سلاح نووي، وفيها توعد بأنه سيحرق نصف إسرائيل. وبعدها بنحو عام فعلا حرق نصف الكويت وشرد أهلها. لكن منذ ذلك اليوم دقت ساعة النهاية لنظامه.

نجاد يقلد كثيرا صدام في خطاباته ومؤتمراته ومقابلاته الصحفية وتحرشه البعيد بالغرب، من سجن صحافية إلى حرق الإعلام في المظاهرات إلى التوعد بحرق إسرائيل نوويا. في حين أن معظم بطولاته كلامية، حيث لم يواجه إسرائيل ولا مرة واحدة، ولم يلتحم حرسه الثوري قط بأي إسرائيلي في أي مكان أو مناسبة، إلا من خلال الآخرين مثل حزب الله اللبناني، كما كان يفعل هو الآخر، حيث كان يستخدم صدام أبو العباس وأبو نضال، في عمليات موجهة ضد الإسرائيليين أو العرب المعادين له. نحن أمام نفس اللغة والمشروع والوعود التي تصنع زعامة شوارعية في حين لو أن إيران واجهت بنفسها، لا عبر اللبنانيين أو حماس الفلسطينية، الإسرائيليين، لوجب علينا أن نعتبر زعامتها حقة. لكن إلى أين سيمضي الرئيس نجاد في تطرفه ببلاده إيران؟ أراه يسير في نفس الطريق التي سارها صدام التي تفرض عليه غدا المواجهة التي لا يخطط لها. مع أنه يجب القول إن النظام الإيراني يختلف عن حكم صدام بوجود قوى حقيقية قد لا تدع نجاد يبحر بها بعيدا نحو مواجهة الغرب أو إسرائيل، وإنما تحاول الاستفادة من الزعامة الكلامية في تجميع نقاط تفاوضية في الوقت المناسب للحصاد السياسي. نحن في كل الأحوال نخسر من المواجهات الكلامية الإيرانية، ونخسر من المواجهات العسكرية الحقيقية، ونخسر بانتصار إيران، ونخسر بخسارة إيران. فكل مواجهة مكلفة للمنطقة والعادة أنها لا تعيد حقا ولا تقيم دولة. وها نحن في بطولات وهمية من عبد الناصر إلى صدام والآن نجاد.

[email protected]