دور جديد لتركيا في الشرق الأوسط؟

TT

كثيرة هي الشعوب التي تعلق، اليوم، آمالا على الرئيس الأميركي الجديد «باراك أوباما»، كما قال الرئيس التركي له. وكثيرة هي الحكومات التي تنفست الصعداء بعد خروج جورج بوش من البيت الأبيض، ولا سيما العربية والإسلامية التي أحرجتها سياسته أمام شعوبها. وحتى الآن لم يخيب الرئيس الأميركي الجديد ظن المؤملين فيه. فلقد أكد أكثر من مرة رغبته في مصادقة العالم الإسلامي، ومد يده إلى سوريا وإيران. وكرر تأييده لقيام دولة فلسطينية. وحدد موعد سحب قواته من العراق، ودعا إلى سياسة جديدة في أفغانستان،لا تقتصر على الوجود العسكري الغربي فيها وملاحقة الطالبان، بل تسعى إلى إنهاض البلاد اقتصاديا ودعم الدولة أمنيا وديمقراطيا.

ولقد ارتدت زيارته لتركيا معنى خاصا، أبرز الأهمية التي تعلقها إدارته على دور هذه الدولة الإسلامية الواقعة بين أوروبا والشرق الأوسط، في تحقيق السلام فيه.

ولا ريب في أن هذه «العناوين» الواعدة تحمل على التفاؤل. شرط أن لا تبقى مجرد عناوين، بل أن تقترن بخطوات تنفيذية واقعية. وفي مقدمها: عملية السلام في الشرق الأوسط. وهي عملية لم تعد أبعادها مقتصرة على إنجاح محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو قيام دولة فلسطينية، بل تشمل، أيضا، السلام العربي ـ الإسرائيلي الشامل، ابتداء بالسلام بين سوريا وإسرائيل. كما تشمل إنهاء النزاع الذي بات يؤثر مباشرة على أوضاع المنطقة بأسرها، ونعني النزاع الغربي ـ الإيراني، متعدد الأسباب والوجوه.

و لكن ـ كما يقول المثل ـ «يد واحدة لا تصفق». أي أن نجاح «اليد» الأميركية في تحقيق هذه الخطوات الواعدة، مرهون بأن «تصفق معها» أيدي الدول المعنية مباشرة بهذه الخطوات. وهي عديدة. من باكستان إلى أفغانستان والعراق وتركيا وسوريا والدول العربية، وفي مقدمها مصر والسعودية. بالإضافة إلى الدول الكبرى، أي روسيا والصين والاتحاد الأوروبي. وعلى الأخص: إسرائيل وإيران. ذلك أن هاتين الدولتين، خلافا للدول المذكورة أعلاه، لهما مشاريعهما التي لم يكتمل تنفيذها، ولا مصلحة سياسية مباشرة لهما في أن يعم السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، بل في العالم العربي، على الأسس المقترحة دوليا وعربيا.

بطبيعة الحال، لم ولن تتراجع الإدارة الأميركية الجديدة عن محاربة الإرهاب، أيا كان الأسلوب الجديد للمحاربة. كما لن تتراجع عن رفضها ومقاومتها لحيازة إيران للسلاح النووي. ولن «تبيع لبنان» لسوريا، كما فعلت في التسعينات من القرن الماضي، ولن تنسحب من أفغانستان ومنطقة حدودها مع باكستان، قبل أن تتأكد من انحسار خطر الطالبان و«القاعدة» عنها.. ولن تضغط على إسرائيل، كما فعلت مع غيرها من الدول لتجبرها على تنفيذ القرارات الدولية. ولكنها ستحاول، عبر المحادثات و مد اليد، تقريب وجهات النظر وتليين المواقف، تمهيدا للاتفاقات.

إلا أن علينا أن لا ننسى أمرين هامين وهما: أن الولايات المتحدة ـ ومعها العالم بأسره ـ غارقة في أزمة مالية واقتصادية حادة تتطلب من الإدارة الجديدة، اهتماما أولويا. وأن الأشهر والسنوات تمر بسرعة، وأن «البركة» التي تحيط بالرئيس الأميركي الجديد، لن تستمر طويلا، إذا لم يحقق، في السنة أو السنتين القادمتين، ما وعد به.

في الواقع، لم يقم الرئيس الأميركي بزيارة «بروتوكولية» لتركيا، بعد مؤتمري لندن للدول العشرين، وحلف الأطلسي. بل كانت هذه الزيارة تأكيدا على الدور الذي يعتقد بأن على تركيا أن تلعبه في عملية السلام في الشرق الأوسط، وأيضا، في الربط بين المصالح الأوروبية ـ الغربية، والعالمين العربي والإسلامي. وذلك انطلاقا من معطيين هما: موقع تركيا الجغرافي كجسر بين أوروبا والشرق الأوسط الكبير، وكون «التجربة الإسلامية ـ الديمقراطية» التي نجح فيها حزب الرئيس أردوغان، قد تكون صيغة حكم صالحة للدول الإسلامية، تساعد على وقف صعود التيارات الدينية ـ السياسية المتطرفة، والجانحة إلى معاداة الغرب والإرهاب. ولا ننسى الدور الذي يمكن لتركيا أن تلعبه كوسيط بين سوريا وإسرائيل.

ولكن السؤال يبقى: هل إن تركيا مستعدة ـ أو قادرة ـ على القيام بهذا الدور، أو بالأحرى، هذه الأدوار الكبيرة؟

وسؤال آخر: هل ستسهل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة، على الإدارة الأميركية الجديدة، تنفيذ هذه الاستراتيجية الجديدة، في المنطقة؟

من مراجعة تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، في نصف القرن الأخير، يتبين بوضوح أن إسرائيل نجحت في أمرين:1ـ ضرب أي دولة أو تكتل أو جبهة أو تيار سياسي عربي، شعرت بخطره عليها، عسكريا أو مخابراتيا. 2ـ تعطيل أي ضغط أميركي عليها من قبل البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأميركية. ومن هنا، التساؤل عما إذا كان الرئيس الأميركي الجديد، قادر على ردع الضغط الإسرائيلي عليه؟ وعما إذا كانت الدول العربية قادرة على الوقوف صفا واحدا، والفلسطينيون، قادرون على توحيد كلمتهم. ذلك أن تنازعات الدول العربية والفلسطينيين و«مشاريع الهيمنة» الدينية والمذهبية، لا تقل إضرارا بالسلام وتعطيلا له، من المكر الإسرائيلي، ومن تأثير اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة.

الشعوب والحكومات مقتنعة، حتى الآن، بأن الرئيس الأميركي الجديد بمصلحة بلاده والعالم، في اتباع سياسة الانفتاح ومد اليد والمساعدة والاستماع إلى أصوات الشعوب، بدلا من السياسة التي اتبعها سلفه، ولا حاجة لوصفها. وأنه مصمم على ذلك. ولكن القناعة والإخلاص والتصميم، لا تكفي إذا لم يساعده المجتمع الدولي على تنفيذ هذه السياسة. ولا سيما في الشرق الأوسط. وعلى الأخص: إسرائيل وإيران. ووصول نتنياهو إلى الحكم، قد يكون النقطة السوداء الأولى في مجرى تنفيذ هذه السياسة الأميركية الجديدة. وعسى أن لا تضيف الانتخابات الإيرانية ـ واللبنانية ـ إليها نقاطا سوداء أخرى.