أفيال أرسطو

TT

كان أرسطو أبا الفلسفة وأبا الفلاسفة. أرشد البشرية إلى شيء مذهل هو العقل. وعلَّم تلامذته البحث عن الحقيقة ومات من أجلها. لكن الفيلسوف العظيم مرَّ ببعض الحقائق مثل أي ساذج من سذج العصور. وقبل الخرافات والأساطير التي امتلأت بها بلاد الإغريق. وضحك برتراند راسل، عالم علماء القرن العشرين، وهو يعرض السذاجات في حياة أحد رواد المنطق. فقد أكد، مثلا، أن عدد أسنان المرأة أقل من عدد أسنان الرجل، برغم أنه تزوج مرتين. ولو أنه كلف نفسه فقط إحصاء أسنان واحدة منهما، لتوصل إلى نتيجة أكثر بساطة ومعقولية ومنطقاً. وكان يعتقد أيضاً أن الأطفال يكونون أوفر صحة وعافية إذا حملت المرأة لدى هبوب الريح الشمالية، مما يدفع إلى الاعتقاد بأنه كان يطلب من زوجته استطلاع اتجاه الريح قبل أن يهم بواجباته الزوجية.

وكان سقراط يطمئن الناس بأن من يعضه كلب مسعور لن يصاب بالسعار، لكن تبين أن من يعضه مسعور سوف يصاب حتماً بالسعار. وكان يقول، مثل أي قروي من سمَّاع الخرافات المضحكة، إن عضة الفئران آكلة الذباب خطرة للحصان، وخصوصاً إذا كانت الفأرة حبلى! وكان ينصح بأن الفيلة التي تعاني من الأرق يمكن شفاؤها بأن تدلك أكتافها بالملح وزيت الزيتون والماء الدافئ.

يقول راسل إن احتلال الإسكندر للشرق القديم أدى إلى تسرب قدر هائل من الخرافات إلى العالم الإغريقي. وينشر الزميل مأمون فندي سلسلة انطباعات مثيرة عن الحياة في الصعيد في مجلة «آخر ساعة»، لاحظت من خلالها تشابه العادات والتعابير والخرافات بين الريف المصري والريف اللبناني. نحن مثلا، نسمي الموقد الطيني «كانون»، نسبة إلى أول أشهر الشتاء، كانون الأول. وفي الصعيد يسمى أيضا «كانون» مع أن أسماء الأشهر رومانية، أهمها أسماء القياصرة.

وكنا ونحن أطفال نعتقد أن القطط تسكنها أرواح الأطفال. سبعة لكل قطة. وكنا نربط الشؤم برؤية قطة سوداء في اليوم الثالث عشر من الشهر. أي شهر. ويبدو أن تقسيم بيوتنا كان يشبه أيضاً تقسيم البيوت في ريف توفيق الحكيم. لكن أحداً منا، لا في قرى لبنان ولا في صعيد، أي أعالي مصر، كان أرسطو. مجموعة بسطاء لم يدلكوا الأفيال ولم ينتظروا هبوب الريح الشمالية الجليدية القاسية التي تقول أغنية فيروز إن «الهوا الشمالي غيَّر اللونا» لكنها لم تقل إنها تحصن صحة الأجنة أيضاً.