اللهم زدنا هما وغما لكي نعيش!

TT

أنت مضطرب. أهنئك. وأنا أيضا. وليس حيا من ليس مضطربا.. فإن كان عنده مال ليست عنده صحة. ومن عنده صحة لا مال له. ومن عنده الصحة والمال والولد، عنده الهم والقلق والأرق. ونظل طوال حياتنا نحاول أن نتوازن.. أن نعتدل.. أن نستقيم.. نحاول وننجح أحيانا ونفشل.. وبين النجاح والفشل، بين الموجب والسالب تستمر حياتنا. ومن يعيش في ماضيه هربا من حاضره. ومن يعيش في غده هربا من يومه. وهذه هي الحياة. والاستمرار هو الأمل. والنهاية واحدة لكل الناس.. من ينام على الأرض ومن ينام على السرير.. ومن لا يجد النوم على الأرض أو على السرير.. وبيننا المتزوج والمطلق والأرمل والأعزب.. وكلنا نشكو ونحاول أن ننسى!

والفلاسفة عندما فكروا في (المدينة الفاضلة) أو (الجمهورية المثالية).. كان هدفهم أن يحققوا العدل والحرية.. الحرية من الفقر والمرض والجوع والقهر. فكان لهم ما أرادوا ولكن على الورق. وأستاذنا العظيم أفلاطون صاحب (الجمهورية) المثالية عندما أعطوه جزيرة ليطبق عليها فلسفته المثالية هرب. لأن الذي رسمه على الورق استحال عليه أن يجده ويصوره ويحدده على الأرض.

والمثل يقول: نحن ملوك عندما نحلم. شحاذون عندما نقوم من النوم. ولي تجربة. فقد نزلت ضيفا على مستعمرة (خلده) اليهودية بالقرب من مدينة عكا، وفيها يعيش الروائي الكبير عاموس عوز. فلم أر في حياتي هما وغما كالذي رأيته على وجوه الناس. إن المستوطنة قد حملت عنهم الطعام والشراب ووفرت لهم العمل. ولكن لم تستطع أن تدخل البهجة على نفوسهم ولا المرح ولا الفرفشة. والناس كأنهم يمشون في جنازة. وإذا سألت عن الميت لم تجد إلا أنهم الموتى يحملون أكفانهم ويعيشون في جنازاتهم.

والفرق بين الحياة المضطربة القلقة كالفرق بين المياه الجارية والمياه الراكدة.. كالفرق بين البحر الأحمر والبحر الأسود والبحر الأبيض والنيل الأزرق!

ومن يأسنا من السكون نتجه إلى القلق، ومن تعبنا من القلق والأرق نحلم بالهدوء والسكون.. ولكن الحياة اضطراب والموت جمود!.