شارع المعز لدين الله

TT

على الرغم من عشقي لعالم الفراعنة وآثارهم، إلا أن لشارع المعز لدين الله طعمًا خاصًّا. ما زلت أذكر وأنا شاب صغير عندما كان يحلو لي في كل زيارة إلى مدينة القاهرة السير في شارع المعز، كي أشم عبق ألف عام هو تاريخ القاهرة.. هذا الشارع مليء بالحرف والصناعات اليدوية والمقاهي، ولكن حركة المواصلات والمركبات كانت تخلخل الآثار الإسلامية بالشارع من مساجد ومنازل وأسبلة وخنقاوات وتكايا.. وعندما فكر فاروق حسنى وزير الثقافة المصري في ترميم تلك الآثار الموجودة بشارع المعز، وجدنا أن هناك منازل جميلة تم ترميمها، مثل منزل الست وسيلة، وبيت الهراوي، وكذلك العديد من الأسبلة، ومنهم سبيل محمد على بالنحاسين، وتم تحويله إلى متحف رائع يحكي قصة النسيج على مر العصور، بدءًا من العصر الفرعوني، وحتى العصر الحديث. وهذا المتحف يعتبر بحق فريدًا في نوعه، لأنه يبرز تطور صناعة النسيج وفنونه التي اختلفت من عصر إلى عصر، وكان النسيج المصري دوماً يحظى بإقبال كبير في كل مكان بالعالم. وإضافة إلى ذلك، فقد تم ترميم مجموعة السلطان قلاوون، وذلك من خلال سيمفونية عمل رائعة قام بها فريق المرممين والمهندسين المعماريين، حيث استطاعوا بمهارة فائقة أن يعيدوا الزمن الجميل، ويعيدوا للأثر جماله الذي كاد يختفي تحت غبار السنين.

وعلى الرغم من العمل المتواصل في ترميم آثار شارع المعز، إلا أن أهم ما تم في هذا المكان، هو أن الأجهزة الحكومية اتفقت لأول مرة على ضرورة وقف حركة المواصلات في هذا الشارع، بالإضافة إلى نقل الصناعات التي تؤثر على المكان بالسلب، ومنها الحرائق التي كانت تنشأ بسبب هذه الصناعات التي، للأسف، كثيراً ما كانت تشغل أماكن داخل المباني الأثرية. واستطاعت وزارة الإسكان ومحافظة القاهرة، بالتعاون مع وزارة الثقافة، وقف حركة المواصلات داخل شارع المعز؛ ليتحول إلى متحف رائع مفتوح، يضم أكثر من 33 أثرًا، تم ترميمها على أعلى مستوى، ولأول مرة يشترك المصريون المتخصصون في أعمال الترميم جنباً إلى جنب مع المرممين الأجانب من بولندا وروسيا؛ لكي نصل في النهاية إلى إعادة جميع الآثار الإسلامية، وما تحمله من فنون مختلفة وطرز معمارية فريدة إلى أصلها، دون إضافة أي عناصر أخرى، كما كان يحدث في الماضي.. وجاءت اللحظة التي تعاقدنا فيها مع شركة الصوت والضوء لإنارة الشارع. ويجري الآن تحويل منزل إسلامي إلى مطعم جميل، كما يحدث في كل الأماكن الأثرية في العالم كله، لأن استعمال الأثر ضروري جداً لصيانته والحفاظ عليه. ووجود المطعم في هذا المكان الرائع سوف يؤدي، بدون شك، إلى زيادة الإقبال السياحي، للتمتع بسحر القاهرة الإسلامية، والسير وسط متحف مفتوح يحكي قصة المكان مع الزمان الذي طالما ألهب خيال الشعراء والكُتاب الذين حكوا عن جمال وسحر القاهرة، مدينة الألف عام، والألف مئذنة.

www.drhawass.com