الشاعر يشحذ

TT

لئن أوغل الشعراء في ذم البخلاء، فإن كثيرا من نجوم الشعر العربي كانوا في الحقيقة في مقدمة البخلاء. اذكر منهم المتنبي ومحمد مهدي الجواهري. ولكن ذلك السخط الشاعري على البخلاء ناتج من واقع الفقر الذي عاشه معظمهم. يكفينا ان نتذكر من ذلك كيف ان ذلك الشاعر الاجتماعي الجليل حافظ ابراهيم لم يملك غير ان يستجدي حذاء من جاره حامد سري ليلبسه ويحضر به حفلة عرسه. قال:

أحامد كيف تنساني وبيني

وبينك يا أخي صلة الجوار

أيشبع مصطفى الخولي وأمسي

أعالج جوعتي في كسر داري

وبيتي فارغ لا شيء فيه

سواي وإنني في البيت عاري

ومالي «جزمة» سوداء حتى

أوافيكم على قرب المزار

ومضى الشاعر ليستجدي منه الطعام ايضا:

وعندي من صحابي الآن رهط

إذا أكلوا فآساد ضواري

فإن لم تبعثن اليّ حالا

بمائدة على متن البخار

تغطيها من الحلوى صنوف

ومن حمل تتبل بالبهار

فإني شاعر يخشى لســاني

وسوف اريك عاقبة احتقاري

وقبل حافظ بقرون، وصف شمس الدين الموصلي في القرن الرابع عشر الميلادي بهذه الابيات المأساوية احوال معيشته وبيته الذي لم يتسع صغرا حتى للرقود والامتداد:

أصبحت أفقر من يروح ويغتدي

ما في يدي من فاقة إلا يدي

في منزل لم يحو غيري قاعدا

إذا رقدت رقدت غير ممدد

لم يبق فيه سوى رسوم حصيرة

ومخدة كانت لأم المهتدي

ملقى على طراحة في حشوها

قمل كمثل السمسم المتبدد

والفأر تركض كالخيول تسابقت

من كل جرداء الأديم واجرد

هذا ولي ثوب تراه مرقعــا

من كل لون مثل ريش الهدهد

وراح الإمام البوصيري يستجدي الحكام باسم شعراء عصره فوجه كلماته لوزير الدولة يستعطفه فيقول:

يا أيها المولى الوزير الذي

ايامه طائعـــة أمره

اليك نشـــكو حالنا إننا

حاشاك من قوم أولي عسرة

صاموا مع الناس ولكنهم

كانوا لمن ابصرهم عبرة

إن شربوا فالبئر زير لهم

ما برحت والشربة الجرة

لهم من الخبيز مســلوقة

في كل يوم تشبه النشرة

أقول مهما اجتمعوا حولها

تنزهوا في الماء والخضرة

واقبل العيد وما عندهم

قمح ولا خبز ولا فطرة

فأرحمهم إن عاينوا كعكة

في كف طفل أو رأوا تمرة

www.kishtainiat.blogspot.com