أحمدي نجاد و«بزوغ شمس» القوة الإيرانية

TT

بينما تقترب ولاية أحمدي نجاد الرئاسية من انتهائها، تستعر الانتخابات الرئاسية الإيرانية، المزمع عقدها في يونيو (حزيران) المقبل.

تمنى البعض، وخشي آخرون، من أن أحمدي نجاد سوف يتم «إقناعه» بإدلاء القسم لفترة رئاسية ثانية.

كان أحد السيناريوهات أن يدعو «المرشد الأعلى» علي خامنئي أحمدي نجاد لجلسة خاصة يطلب منه فيها التنحي جانبا لفتح الباب أمام «صفقة كبرى» مع «الشيطان الأكبر» الأميركي. وأفاد سيناريو آخر أن أحمدي نجاد سوف يُسقَط بعد رسالة من قادة الجيش مفادها أنه لم يعد يحظى بدعمهم.

كلا، لا يبدو أي من هذين السيناريوهين محتملا.

ويبدو أن أحمدي نجاد، «الذئب الشرس الضخم» بالنسبة إلى الكثيرين داخل وخارج إيران، عاقد العزم على أن يستمر يهيم في مراعي الجمهورية الإسلامية لمدة أربعة أعوام أخرى.

ولكن، هل هذه الانتخابات تستحق هذه الجلبة؟

يعتقد بعض المحللين أنه بما أن النظام الخميني يعطي «المرشد الأعلى» القول الفصل، فلا يوجد فارق كبير بين الرؤساء.

ويشير آخرون إلى حقيقة أن الانتخابات الإيرانية ما هي إلا أمر مُعَدّ بحذر، وحيث إن السلطات تختار المرشحين مسبقا، فإن النتيجة لا تحتاج إلى هذا القدر من الاهتمام.

وينسى هذان التحليلان نقطتين مهمتين.

أولا: أن الانتخابات الخمينية تشبه الانتخابات التمهيدية داخل الأحزاب السياسية الأميركية، فجميع المرشحين من نفس الحزب، ولكن ثمة أهمية في الفائز. وعلى سبيل المثال، كانت السياسة الأميركية ستكون مختلفة كثيرا عما هي عليه الآن لو فازت هيلاري كلينتون، وليس باراك أوباما، في الانتخابات التمهيدية التي عقدها الحزب الديمقراطي العام الماضي. وبالنسبة إلى إيران، فإن الوضع عندما يكون أحمدي نجاد رئيسا يختلف كثيرا عنه لو كان محمد خاتمي رئيسا.

النقطة الثانية المهمة هي أن الانتخابات الرئاسية تساعد النخبة الحاكمة على إدارة الخلافات الداخلية والمنافسات داخل صناديق الاقتراع وليس من خلال انقلاب وعصيان مسلح وغيرها من الوسائل الأخرى العنيفة التي تستخدم داخل ما يسمى بـ«الدول النامية». ونظام الحكم الخميني ليس عبارة عن نظام حزب واحد تقليدي كما كان الحال مع الحزب البعثي في العراق، على سبيل المثال. ولكنه نظام حزب ونصف، حيث إن النخبة الحاكمة تحتوي داخلها على معارضة مخلصة. يشبه هذا الوضع حيوان الكنغر وهو يحمل طفله داخل الكيس.

وتعد الانتخابات الرئاسية العام الحالي أكثر إثارة من أي انتخابات عقدت من قبل لعدة أسباب.

يكمن السبب الأول في أن هذه هي الانتخابات الأولى التي يكون فيها المرشحان الاثنان البارزان من خارج رجال الدين، فكل من أحمدي نجاد ومنافسه الرئيس رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي ثمرة بيروقراطية النظام الجديد ولديهما خبرة أعوام في العمل الإداري.

ويتعلق السبب الثاني بشخصية أحمدي نجاد نفسه، فعلى عكس أسلافه الذين كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى المميزة، يعد أحمدي نجاد «رجل الشعب» بحق، وهو من بين الملايين الذين حصلوا على التعليم العالي واستفادوا من الحراك الاجتماعي خلال العقد الأخير من الملكية.

السبب الثالث هو أنه يبدو أن أحمدي نجاد يصدق ما يقوله. لقد حاول أسلافه أن يجذبوا الجمهور المتباين، فحاولوا التقرب من الأغنياء وطمأنة الغرب وفي نفس الوقت مغازلة «المحرومين» على أساس أنهم قاعدة الدعم الرئيسة للنظام الحاكم.

وفي المقابل، يعتقد أحمدي نجاد أنه لا مشكلة في ترويع الأغنياء وصدم الغرب ما دام قادرا على أن يحشد قاعدة «المحرومين». ولذا فإنه يقول بصوت مرتفع ما كان يقوله أسلافه في السر ولجمهور مختار، ومثال ذلك ما ذكره عن الحاجة إلى «إزالة إسرائيل من الخريطة» و«هزيمة الشيطان الأكبر الأميركي». وعلى عكس خاتمي، على سبيل المثال، فإنه لا يكترث بدعوته إلى دافوس أو الثناء عليه من قِبل مجموعة «بيدلربرغ». وعلى عكس هاشمي رافسنجاني، فإنه لا يتحدث إلى «سي إن إن» بطريقة أو بأخرى ولا إلى تلفزيون طهران.

لأحمدي نجاد شرف أن يكون أول رئيس للجمهورية الإسلامية لا يستخدم «التقية» السياسية. وثمة مثالان يوضحان ذلك:

في تعليقه الأول عن الهولوكوست، قال موسوي: «عندما تحدث جريمة، فلماذا يتم إنكارها؟»، كانت هذه طريقة مقننة ليقول للغرب إنه ليس أحمدي نجاد. وفي نفس الوقت، فإن يأمل ألا يعرف الراديكاليون ما كان يتحدث عنه. وعلى الجانب الآخر، يقول أحمدي نجاد إنه غير مقتنع بأن الهولوكوست قد حدثت ويصر على أن «الخرافة» استُغلت لتبرير طرد الفلسطينيين لإتاحة الطريق أمام الإسرائيليين.

وهناك مثال آخر يتعلق بالقضية النووية. يترك موسوي الباب موارَبا مستخدما صيغة مبهمة: يجب فصل المناحي العلمية عن المناحي العسكرية. ولكن، يقول أحمدي نجاد بصورة قاطعة إن إيران سوف تستمر في مشروعها النووي بالصورة التي تراها مناسبة ولن تسمح لأي شخص بالتدخل.

ويدخل أحمدي نجاد السباق بسجل قوي، فقد صمد أمام الضغط الدولي لمدة أربعة أعوام دون التنازل قيد أنملة في أية قضية. كما يمكنه أن يشير إلى التراجع الأميركي المخطط من الشرق الأوسط كدليل على نظرية أن أميركا هي «دولة الغروب». وحيث إن التنظيمات الموالية لطهران تقوم بالهجوم في كل مكان، بدءا من أفغانستان إلى شمال إفريقيا، مرورا بلبنان، فإنه يمكن أن يدّعي أن صورته لإيران كـ«دولة الشروق» بدأت تتشكل.

ويساعد انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة أحمدي نجاد، حيث تبنى أوباما شعار حملة أحمدي نجاد لعام 2005 «نستطيع» في صيغة «نعم، نستطيع»، وأسقط الشروط المسبقة لإدارة بوش للتواصل مع النظام الخميني.

كان يفترض أن مباحثات مجموعة «5+1» مع إيران على وشك أن تقنع إيران بوقف تخصيب اليورانيوم. ومع ذهاب الشروط المسبقة، فإن المحادثات، المتوقع أن تُستأنف قريبا، يمكن أن تكون حول شيء واحد: رفع العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على الجمهورية الإسلامية.

وكان موسوي وآخرون يأملون في استغلال الصعوبات الاقتصادية الحالية التي تعاني منها إيران ضد أحمدي نجاد، ولكن لا يحتمل أن يفلح ذلك، فقاعدة نظام الحكم قد استفادت من سخاء أحمدي نجاد، وباقي المجتمع الإيراني غير مقتنع أن أي شخص آخر يمكن أن يقدم ما هو أفضل.

ونقطة الضعف الرئيسة في أحمدي نجاد هي عجزه على جلب الملالي الفاسدين والأثرياء أمام العدالة، كما وعد، ويقول مناصروه إن هذه سوف تكون أولويته خلال الولاية الثانية.

ولا شك في أن أحمدي نجاد ما زال يحظى بشعبية بين مناصري النظام الذين يمثلون 10 ـ 15 في المائة من السكان. واليوم، فإنه القيادي الجدير بالثقة في الحركة الخمينية بطريقة لا يمكن أن يصل إليها موسوي ولا خاتمي ولا أي ممن هم على شاكلتهم.

وينظر أحمدي نجاد إلى نفسه على أنه يسمو على الفصائلية، فمن ناحية فإنه على اتصال بـ«الإمام الغائب»، ومن ناحية أخرى فإنه يمس القاعدة الشعبية للنظام الحاكم.

ولم يظهر هل سينجح أحمدي نجاد أم موسوي في إقناع هؤلاء الذين لا يمثلون جزءا من قاعدة دعم النظام الحاكم، كي يذهبوا إلى مراكز الاقتراع.