ليس رأسماليا ولا اشتراكيا

TT

منذ عدة أسابيع، كان من الرائج أن نعلن: «نحن جميعا اشتراكيون الآن»، وأن نتحدث عن كيف تمت الإطاحة بالنظرية الرأسمالية وممارستها على يد كارثة اقتصادية أثبتت مدى العيوب الهائلة التي كانت تكتنف النظام القديم.

ويوجد شيء ما في ذلك، خاصة إذا كان ما رأيناه ينهار، ليس نظام السوق في حد ذاته، ولكن منهج الرأسمالية الذي جعل الحكومة تلعب أصغر دور لها على الإطلاق في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وجعل السيادة للتمويل على الإنتاج والابتكار. وأصبحت العبارة المتداولة الآن هي التحفيز (بواسطة الحكومة)، وإعادة تنظيم التمويل (بواسطة الحكومة)، وإقامة شبكات أمان أقوى (بواسطة الحكومة). وإذا كان هناك جزء ما من النظام معرض لهجوم متصل، فهو آليات التمويل.

ربما نتجه أكثر نحو الديمقراطية الاجتماعية، وهي الشقيق الفلسفي للاشتراكية التي حققت السلام في السوق بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن علاوة على هذا كله، يتمثل الطلب في الديمقراطيات على التجريب والبراغماتية ـ رغم علمي أن هذه الكلمة غير مرضية. لقد وضعنا نهاية للحماسات الأيدلوجية الخاصة بعهد ريغان ـ تاتشر، وأتينا بالكثير من الأسئلة.

وفي وصف الفوضى والتشوش الحادثين في اللحظة السياسية الحالية، طرح ديفيد وينستون ـ المستطلع الجمهوري لآراء الجمهور ـ مجازا لافتا للنظر، حيث قال: «إنها مثل لعبة تحتوي على 52 كارتا للعب، وما زالت كروت اللعب في الهواء». لقد كان يصف بذلك حالة الشجار بين الجمهوريين والديمقراطيين في واشنطن، وكان هذا أيضا هو الموضوع الأساسي عندما التقت القوى الاقتصادية البارزة العالمية في لندن. وثمة اتفاق بالطبع على أن النظام الاقتصادي تعتريه الفوضى، كما يتعين تضييق القوانين المنظمة للتمويل أيضا. هذا إلى جانب أن هناك نوعا من عدم الاتفاق بشأن إلى أي مدى يتعين على الحكومات المضي في استخدام الأموال العامة للإنفاق على سبيل إعادتنا مرة أخرى إلى الرفاهية. وهناك خلاف أيضا حول ما مدى الضرر الذي ألمّ بالنظام الرأس المالي العالمي فعليا. ومن المحتمل التأكيد على مجالات الاختلاف والتباين هذه في التقارير الإخبارية. وما ستجفل هذه التقارير عن قوله هو أن هذا الخلاف ليس مفاجئا، وذلك على أساس أن قادة العالم ما زالوا يحاولون تقرير الطبيعة الدقيقة للعاصفة التي أطاحت بنا.

ولدى الناخبين في الدول الديمقراطية مؤسسات جيدة على نحو مرضٍ وذلك على أساس ما تقتضيه اللحظة السياسية الحالية، وإذا ما كانت هناك نزعة في الدول الديمقراطية حاليا، فإنها تميل تجاه الساسة الشباب، ممن يعكسون تحررهم من الوهم في الوضع الراهن، ويقومون بذلك في الغالب عبر التشكيك في الطرق السابقة، أكثر من طرح أنظمة بديلة منجزة وثبت نجاحها بالفعل.

وقد اتضح ذلك جليا هنا عندما التقى الرئيس باراك أوباما مع كيفين رود، رئيس وزراء أستراليا. ومن المعروف أن كليهما في سن الشباب، كما أن كليهما اُنتخبوا بدعم ساحق من الناخبين تحت سن 30 عاما.

وعلاوة على هذا فكلاهما من اليساريين المعتدلين أيضا، وهما من أشد الناقدين للمذهب المحافظ في الماضي القريب. ومع ذلك، فإن ثمة غموضا متعمدا في الوعود التي قدمها كل منهما: ففي عام 2008، تعهد أوباما بأن يكرس نفسه من أجل التغيير، فيما تعهد رود عام 2007 «بقيادة جديدة» و«أفكار جديدة». ولم يحاول كلاهما كثيرا إيضاح وتحديد نوعية التغيير التجديدي الكامن في خلدهما. وعلى الجانب الآخر من السياسة، صنع ديفيد كاميرون ـ زعيم حزب المحافظين البريطاني ـ اسما لنفسه عبر التراجع عن مفهوم تاتشر القديم لصالح البراغماتية، هذا بالإضافة إلى كونه شابا أيضا. ولدى رحلة أوباما إلى أوروبا خلال حملته الانتخابية العام الماضي، عانقه كاميرون ورحب به، موضحا أن حزب المحافظين البريطاني يرغب في الانتقال إلى ما بعد ماضي الحزب المحافظ مضعف الثقة. وعمل رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون على استغلال لقاء لندن للتودد إلى أوباما على طريقته.

وفي إيطاليا، اختار حزب يسار الوسط الديمقراطي خلال الفترة الأخيرة داريو فرانسيستشيني، البالغ من العمر 50 عاما، ليكون الرئيس الجديد للحزب. ويتجذر ماضيه السياسي في الحزب الديمقراطي المسيحي الوسطي، وليس في الحزب الشيوعي المصلح، الذي أتاح للديمقراطيين الإيطاليين قاعدتهم التنظيمية. ويبدو ذلك براغماتيا أيضا.

وبالطبع، فإنه دائما ما يكون هناك استثناء لكل القواعد. وتتجلى هذه الحقيقة في أوليفيه بيسانسينوه، الشخصية السياسية الجديدة شديدة الرواج في فرنسا، الذي يحمل حزبه اسما ليس غامضا ألا وهو: الحزب الجديد المناهض للرأسمالية. وفي ألمانيا، تعتبر النزعات أكثر تشوشا، فبعض الناخبين يحتجون على الوضع الراهن عبر انتهاج المبدأ اليساري، فيما يتجه آخرون إلى الحزب الديمقراطي الحر المؤيد للرأسمالية بشدة.

وباختصار، ظهر تباين في اجتماع مجموعة العشرين من وفاة أحد أنظمة الأفكار، حتى وإن كان النظام الآخر يناضل ليطل علينا برأسه. ولن تكون الأفكار الجديدة من نوعية التنوع الرأسمالي القديم، كما أنها لن تكون من نوعية الدول الاشتراكية القديمة أيضا.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»