مَن المسؤول عن سلامة العراق الآن؟

TT

هناك قلق مكبوت حيال عودة العنف إلى العراق، فقبل يومين وقع هناك تفجيران قتلا وجرحا مائة وثمانين، استهدف أحدهما مدنيين، والثاني نفذته امرأة انتحارية قتلت عشرة من عناصر الشرطة، كانت توزع مساعدات لعائلات مهجرة جنوب شرقي بغداد. تقريبا هي الأحداث القديمة تعيد نفسها من جديد، لكن بوتيرة أقل.

يفترض أن تجربة سنوات الدم من عام 2004 علمت العراقيين جملة حقائق أساسية كافية لمواجهة مشروع تفجير العراق من جديد. رأى العراقيون أن معظم العمليات كان موجها ضد المدنيين أكثر من العسكريين، أميركيين وعراقيين، مما نفى عنها صفة المقاومة، وكثير منها كان يهدف إلى خلق فتنة طائفية باستهداف مساجد سنّية وحسينيات شيعية. تليها بيانات وأشرطة صريحة في دعوتها للحرب المذهبية. والثالثة أن العديد ممن قبض عليهم قدموا صورة واضحة عن طبيعة الإرهاب على أنه ليس مما كان يصور في الإعلام العربي حالة عصيان ومقاومة وطنية، بدليل أن المقاتلين الأكثر عنفا كانوا عربا وأجانب، والأسلحة والمتفجرات كانت تمول من الخارج بشكل منظم يدل على أن الفاعل حكومات إقليمية. ثم ظهر لاحقا من خلال التواصل السياسي والتزام هذه الدول بالتعاون الأمني انقطاع العنف فجأة، إضافة إلى المعلومات التي جمعت وأظهرت أن معظم الناشطين في الخارج من العراقيين المعارضين المنخرطين في الإرهاب هم في واقع الأمر مرتبطون بأجهزة خارجية. باختصار شديد، إن كثيرا مما حدث في العراق لم يكن مقاومة بريئة، والحقيقة الأكيدة أن معظم العمليات كانت موجهة إلى المدنيين العراقيين، مما يعني أن الهدف إملاء شروط على الأميركيين والنظام العراقي الجديد لصالح القوى الخارجية وليس تحرير البلاد.

ومع أن عمر الاستقرار في العراق قصير ولا يصلح لاعتباره حالة مؤكدة ودائمة، إلا أن طعمه كاف لإقناع المواطنين بأن ما حدث في الأربع السنوات الماضية كان مؤامرة على الإنسان العراقي أكثر مما كان ضد النظام القائم. والحكومة العراقية محقة في حملتها المستمرة من أجل إقناع مواطنها بأنه المستفيد الأول من الاستقرار، والمسؤول الأول أيضا عن حمايته برفض الإرهابيين مهما كان له رأي معارض. فالمواطن المعارض يملك في العراق هامشا جيدا أكثر من بقية دول المنطقة في التعبير والتغيير من خلال الإعلام والانتخابات.

تعلم العراقيون، بما فيهم أولئك الذين يعيشون نسبيا في مناطق آمنة مثل الشمال الكردي، أن الاستقرار ضرورة يجب على الجميع صيانتها مهما اختلفوا بينهم على صيغة الحكم والموارد والأراضي، فالفوضى تقود إلى إدامة القوى الأجنبية على أرضيهم، وتمنح القوى الإقليمية فرصة للمشاركة في التخريب وتفكيك البلاد. شاهد العراقيون أن الطروحات التقسيمية مثل الطائفية لا توحد حتى أبناء الطائفة الواحدة، بل تُمأسِس القتال حتى داخل العائلة الواحدة، بدليل أن القتال اندلع بين الشيعة، وانفجر بين السنّة أيضا.

إن لم تفِد دروس سنوات العنف الماضية في إقناع الإنسان العراقي برفض العنف ومحاربة الإرهاب، فلن تفلح أي قوة _ مهما كانت _ في حمايته.

[email protected]