شرح ما يقوم به أوباما

TT

عندما جلس الرئيس الأميركي باراك أوباما على مقعده خلال قمة مجموعة العشرين في لندن، ملأ الفضول قادة العالم بشأن الفلسفة الاقتصادية التي قدمها. هل هذه هي أميركا نفسها التي رحبت بالرأسمالية الجريئة، والتي وقفت ضد تنظيم الأسواق المالية العالمية، أم أنها دولة لديها رغبة في تغيير سلوكها؟ هل ما زالت أميركا دولة قادمة من المريخ، كما يمكن وصف حالها إبان إدارة بوش، أم أنها انتقلت إلى الزهرة؟

انتابني الفضول بشأن الرؤية التي تعطي دفعة لما يقوم به أوباما، ولذا طرحت هذا السؤال أخيرا على ديفيد أكسلرود، مستشار الرئيس البارز. وقد سرد القائمة المعتادة لسياسات معينة: الرعاية الصحية والطاقة والتعليم. وعند الضغط من أجل الحصول على إطار مفاهيمي شامل، تحدث عن محاولة لتحقيق «توازن جديد» في البلاد وبناء «أساس جديد» للنمو الاقتصادي.

ويقول أكسلرود: «كانت الأمور غير متزنة خلال العقد الماضي، فقد كنا نريد استعادة الإحساس بالتوازن وأننا جميعا في هذا سويا. لا نقوم بهذا الحق إذا كانت هناك مجموعة صغيرة من المواطنين يستفيدون في الوقت الذي لا يحصل فيه المعظم على أي منافع. يريد الرئيس تحقيق رخاء اقتصادي يستمر على نطاق واسع».

واستطرد قائلا: «نتحدث عن ’الأساس الجديد‘. يمكنك أن تبني منزلا جميلا، ولكن إذا كان على أساس هش، فإنه سوف ينهار. الأساس بالنسبة لنا هو الطاقة والرعاية الصحية والتعليم».

وهذا هو السبب في أن أوباما كان كارها للتخلي عن إصلاحات السياسات هذه، على الرغم من أن النقّاد وبّخوه لأنه يحاول القيام بالكثير. والبرامج الجديدة عبارة عن نتيجة للألم الذي تجرعته البلاد، وتهدف السياسة التأمينية إلى تحقيق رخاء مستقبلي».

وقد شرح أكسلرود هذا الرابط بهذه الطريقة: «تركيز الرئيس الأساس هو بناء اقتصاد لا يعتمد على الفقاعة والانفجار، ولا يعتمد على سوق إسكان مستعرة وبطاقات ائتمان وصلت إلى أقصى حد لها. إنه يرى مستقبلا نكون فيه دولة رائدة في مجال تقنية الطاقة، ويكون لدينا من جديد أفضل قوة عاملة في العالم، ولا تسير فيه تكاليف الرعاية الصحية في مسار كارثي».

ويمثل ما وصفه أكسلرود منحى اقتصاديا يختلف عما طبقه أسلاف أوباما أخيرا. ويجب أن يطمئن العالم الذي يشعر بالقلق إزاء الريادة الأميركية. ويتحدث البيت الأبيض بلغة اقتصادية تفهمها أوروبا وآسيا: المزيد من التنظيم والمزيد من التدخل الحكومي وشبكة أمان سخية بدرجة أكبر، من دون التخلي عن التزام أميركي بأسواق حرة.

يقول أكسلرود: «لقد وكّلت إلينا وحدة تحديد الأولويات». ويقول إنه بسبب جهود أوباما خلال الـ60 يوما الأولى، ازداد اعتقاد الناس في أميركا من جديد. ويبدو من استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست مع قناة إيه بي سي نيوز، أن هناك دعما له، حيث ارتفع عدد الأميركيين الذين يعتقدون أن البلاد في الطريق الصحيح منذ ديسمبر (كانون الأول).

وإذا كنت تبحث عن عبارة أكثر إحاطة من عبارة «أساس جديد»، فيمكن أن تصف منحى أوباما بأنه «ما بعد العولمة» أو «ما بعد الليبرالية».

وعندما تحدث الأميركيون عن «العولمة»، فإنهم كانوا يعنون أن الأفكار الأميركية عن الأسواق الحرة وتدفقات رأس المال كانت ستصبح عالمية. ولكن في أوروبا وآسيا، تسمع في بعض الأحيان مصطلحا آخر. وقد تحدّث المواطنون عن النظام الذي تقوده أميركا بأنه «ليبرالي»، ولم يكن ذلك إطراء. لقد كانوا يشعرون بالقلق بشأن عملية عولمة تنحي جانبا القواعد التقليدية والقيم الثقافية. وباسم الفاعلية، بدا أن هذه الليبرالية تضع طريقتهم في الحياة على حافة سكين السوق.

وتشكك الليبرالية الاقتصادية الأنجلوسكسونية له تأثير على الحدود السياسية المعتادة. فيبغضها أقطاب الصناعة من جناح اليمين، وكذلك الاتحادات العمالية من جناح اليسار. وقد شعر الشيوعيون الصينيون بأنهم مهددون، ومعهم نشطاء حزب الخضر في ألمانيا. وفي مواجهة الآلة الاقتصادية النهمة، فإن بقية العالم كانت محافظة في جوهرها. ويحب الناس الأشياء كما هي، ولم يحبوا أن تنقلب حياتهم رأسا على عقب بسبب السوق الحرة.

ويشكل انتقاد الليبرالية الأميركية أساس قمة لندن. كما يعتقد كذلك أيضا مجموعة متنوعة، تضم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل ورئيس وزراء الصين وين جياباو والرئيس الروسي ديمتري مدفيديف. ولا يريد أي منهم أن تتنازل أميركا عن موقعها كدولة رائدة، فهم يعلمون أنه لا يوجد بديل. ولكنهم يريدون من أميركا أن تعيد ترتيب البيت الداخلي، وأن تقلع عن انتقاد الآخرين وأن تعالج المشاكل التي تسببت فيها الأزمة المالية.

يجب أن يرى المجتمعون في قمة العشرين أن أوباما ورؤيته للأساس الجديد مصدر طمأنينة. وذلك حسبما يفعل الرئيس الحالي. إنه ذكي وحصيف وعملي بدرجة تبعث الملل أحيانا. وهو يفهم أن أميركا قد تسببت في فوضى، ويبذل وسعه من أجل إصلاح ذلك.

*خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»