انتصر العدل.. فماذا بقي؟

TT

بعد قرار المجلس الوزاري الأوروبي في 26 يناير (كانون الثاني) الماضي، بشطب منظمة مجاهدي خلق الايرانية من قائمة الارهاب الاوروبية انتهت معركة جبارة بدأت منذ اكثر من سبع سنوات. معركة دارت طوال هذه السنوات الطويلة بين حكم الملالي وجميع مؤيديه من الدول الاوروبية من جهة وبين جماعة معارضة رأس مالها شرعية قضيتها وإرادة أعضائها وانصارها وايمانها بالعدالة والانسانية والديمقراطية والحرية.

حركة المقاومة الايرانية استطاعت بفعل عزمها وإرادتها وصمودها ان تكسر شوكة التجارة والمؤامرة والسياسة، وان تكرّس العدالة وحقها في النضال الديمقراطي من خلال التركيز على احكام المحاكم الاوروبية وعلى عمل سياسي نزيه بين الممثلين للشعوب الاوروبية. ولا شك ان كل ذلك من اجل تخليص وطنها وشعبها من براثن الطغيان والهمجية وعهد الظلام.

هذه تجربة غنية يجب على الجميع، خاصة على المسلمين والعرب الذين يعانون من انظمة شمولية ومن هيمنة للنظام الغربي السلطوي، ان يتعلموا منها ويعرفوا كيف يجب ان يزاولوا نشاطهم بهدف الوصول الى حقوقهم المشروعة.

ولأنني كنت من بين العاملين في هذا المجال، حيث شاركت في عديد من جلسات المحاكم والندوات الحقوقية وكذلك اجريت لقاءات مع السياسيين والدبلوماسيين في هذا المجال، كما انني شاركت في عديد من الاجتماعات الكبيرة والمهرجانات التي اقيمت لهذا الهدف، فانني اريد ان أضع تجربتي في هذا المجال في متناول يد القارئ العربي.

وإن من الطبيعي انه لا يمكن شرح ما جرى خلال سبع سنوات في مقال ولأجل بيان مغزى هذه المعركة فهناك حاجة إلى تدوين كتاب أو كتابة عدد من المقالات والشروح. لكن ما لايدرك كله لايترك كله.

وهنا أعرض بعض المجالات التي يستحق كل منها الحديث والكتابة والشرح. على سبيل المثال ولا الحصر:

- ما هو معنى قائمة الإرهاب عندما كان الامر يتعلق بالمعارضة الايرانية؟

- كيف تستطيع جماعة معارضة من التغلب على ارادة الدول الكبيرة والصغيرة وتحقيق اهدافها رغم هذه الدول؟ هل هذا معقول؟!

- من كان مع المقاومة الايرانية في هذا المجال ومن كان ضدها؟

- ما هي المكونات الرئيسية لحركة المقاومة الايرانية التي تستطيع من خلال التركيز عليها التغلب على الصعاب؟

- ما هي المشاكل والعراقيل التي تم حلها وتذليلها في هذه المعركة؟

- هل يمكن القول فعلا ان هذا الانجاز كان ضمن معادلة عالمية غربية من جهة والنظام الايراني من جهة اخرى؟ اي ما يقال بان الغرب يريد من خلال شطب المعارضة الايرانية من قائمة الارهاب ارسال رسالة تحذير الى النظام الايراني بانه اذا لم ينصعْ امام القرارات الدولية فان الغرب ايضاً يردّ عليه بهكذا مواقف؟

- مجاهدي خلق كانوا اول من دخلوا وكسبوا هذه المعركة وتركوا بذلك تجربة وسابقة للقضاء الاوربي وللسياسة الاوروبية.

- مظاهرات واعتصام الايرانيين في صالة فيلبنت بباريس، وبروكسل، وبرلين وغيرها.

- الدول التي ساهمت في اتخاذ هذا القرار والدول التي عارضت وخلقت مشاكل لاتخاذ هذا القرار

على كل حال، بعد مرارة طويلة وسبع سنوات عجاف استطاعت منظمة مجاهدي خلق تكريس شرعيتها وأحقيتها على الصعيد الاوروبي، وذلك بالرغم من بعض الدول التي لم تدخر اي جهد من أجل عرقلة هذا المسار وعدم تنفيذ قرار المحكمة وحكم القانون.

ومن بين الدول الاوربية التي وقفت في وجه القانون وحكم المحكمة كان فرنسا الفضل وحصة الاسد، خاصة وأن فرنسا كانت ترأس الاتحاد الاوربي عند ما قامت دول الاتحاد لآخر مرة بادراج مجاهدي خلق في قائمة المنظمات الارهابية في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي. كما ان حكم المحكمة ايضا صدر في وقت كانت فرنسا ترأس الاتحاد.

لكن يبدو أن عداء فرنسا لم يكن لهذا السبب، او بالاحرى لا يمكن ان نقول ان السبب الاول كان رئاستها للاتحاد الاوروبي، بل الموضوع اعمق من ذلك. ويحتاج الى مزيد من الشرح.

بعد صدور قرارات قضائية باتة ونهائية في المحاكم البريطانية في نوفمبر عام 2007 ومايو 2008 وبعد اتفاق المجلسين البريطانيين بضرورة شطب مجاهدي خلق من قائمة المنظمات المحظورة في بريطانيا ارغمت حكومة بريطانيا ان تصدر بيانا بتاريخ 24 يونيو 2008 بشطب هذه المنظمة نهائيا من القائمة البريطانية. ولان القائمة الاوروبية، حتي ذلك الوقت كانت مبنية على الطلب البريطاني، فبذلك فقدت القائمة الاوروبية اساسها وكان لزاما على المجلس الوزاري الاوروبي ان ينهي هذه اللعبة. هنا هرعت فرنسا لتملأ الفراغ الذي حصل بفعل خروج بريطانيا من الساحة.

لكن ماذا كان رأس مال فرنسا في هذا المجال؟ وكيف كان باستطاعتها ان تبرّر الطلب الذي تريد ان تقدمه الى الاتحاد الاوروبي لإبقاء مجاهدي خلق في قائمة الارهاب؟ لان فرنسا ليست لديها قائمة المنظمات الارهابية الخاصة بها، كما كان الامر في بريطانيا؟ فرنسا وجدت المخرج في الملف الذي تم طبخه منذ سبعة اعوام في كواليس قسم مكافحة الارهاب في قصر العدل الفرنسي بباريس.

جميع المتابعين للقضية الايرانية ولموضوع المعارضة الايرانية يعرفون ما حدث في شهر يونيو من عام 2003 في باريس ضد المعارضة الايرانية، وبشكل محدد ضد اعضاء مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الايرانية. شنت الشرطة الفرنسية حملة شعواء علي مقارّ المقاومة الايرانية باستخدام مختلف انواع الاسلحة. جاءوا باكثر من الف وثلاثمائة شرطي مدجج بالسلاح للهجوم على ناس عزّل لا«جريمة» لهم سوى المقاومة في وجه نظام متعطش للدماء، النظام الفاشي الديني المتسلط بالحديد والنار على رقاب ابناء الوطن. وهذه «الجريمة»، اي مقاومة الاستبداد وحكم البطش، هي التي يعتبرها بيان حقوق الانسان وحقوق المواطنة في المادة الثانية منه من الحقوق الاولية الاساسية المقدّسة. ومعروف ان بيان حقوق الانسان وحقوق المواطنة في فرنسا الذي تم التصديق عليه عام 1789 كان ولايزال من اسباب فخر تاريخي لفرنسا وللفرنسيين.

وكان الهجوم على مكاتب المقاومة الايرانية من البر والجو والنهر المجاور لمقر المقاومة. وقامت الشرطة الفرنسية خلال هذه العملية التي وصفها رئيس جهاز مكافحة التجسس الفرنسي آنذاك بانها اكبر واوسع عملية بوليسية خلال ثلاثين عاما مضت، قاموا باعتقال اكثر من مائة وخمسين شخصا من المسؤولين والاعضاء والانصار في الحركة وأيضا امهات وآباء شهداء المقاومة. وقد اعتقلوا السيدة مريم رجوي زعيمة المقاومة ايضا. كما قاموا بضبط الاموال واجهزة كمبيوتر وكل الوسائل الموجودة في مكاتب المقاومة.

ما هو السبب؟ انهم ارهابيون! انهم يخططون للهجوم على مصالح ايران في الخارج. انهم ارادوا الهجوم على السفارة الاميركية في باريس و ما الى ذلك من تخرصات وهراءات.

ولا حاجة الى مزيد من التفصيل في ما عملت الشرطة الفرنسية في 17 حزيران 2003.

لكن المهم ان السبب الحقيقي وراء تلك العملية كان محاولة فرنسا لتعويض ما خسرته في العراق بما يمكن لها ان تحصل عليه من ايران الملالي ودفع ثمنها على حساب المقاومة الايرانية.

فرنسا كانت تفكر في ان المعارضة الايرانية وبسبب الضربات التي تلقتها في العراق تلفظ انفاسها الاخيرة وسيقضى عليها نهائيا في المعادلة الجديدة في منطقة الشرق الاوسط والخليج، فلماذا لا تقوم فرنسا بإتمام هذه المهمة وأخذ ثمنها نقدا من النظام الايراني؟ خاصة وان شركة «توتال» كانت قد اجرت مفاوضات في هذا المجال، وكان هناك تنسيق سياسي بين كبار المسؤولين الفرنسيين وزعماء النظام الايراني؟

لكن الحسابات باتت خاطئة، لأن حركة سياسية اصيلة تعبّر عن طموحات وآلام شعبها وتمثل تاريخ وطنها لا يمكن القضاء عليها من خلال ضربات عسكرية وبوليسية.

والغريب في الامر ان فرنسا جربت هذه التجربة مرة اخرى ايضا عام 1987. في ذلك العام ايضا هاجمت الشرطة الفرنسية اعضاء وانصار المقاومة الايرانية في باريس واعتقلت عددا منهم وابعدتهم مباشرة الى الغابون. لكن انصار مجاهدي خلق في فرنسا وفي مختلف الدول الاوروبية جاءوا الى الشوارع واعلنوا الاضراب عن الطعام احتجاجا على هجوم فرنسا عليهم. وبعد اربعين يوما من الاضراب تحول هذا الموضوع الى قضية ساخنة في الساحة الفرنسية وهبّ كثيرون للدفاع عن حقوق المجاهدين. وفي نهاية المطاف تراجعت فرنسا عن موقفها واعادت المطرودين الى فرنسا.

فالسؤال المطروح هو لماذا تكرار تجربة فاشلة؟ لكن الجواب هو منطق المال والتجارة والنفط هو الذي يحكم وهو الذي يدير، لا المبادئ ولا القانون ولا البيان العالمي لحقوق الانسان ولا حكم القانون في بلد كفرنسا التي تسمي نفسها بلد حكومة القانون.

والأعجب والأغرب في الموضوع ان اليوم وبعد صدور قرار من المجلس الوزاري الاوروبي بشطب مجاهدي خلق من قائمة الارهاب لا تزال فرنسا تقاوم ولا تعترف بهذا الواقع. ولا تذعن بانها فشلت في محاولتها اليائسة. بالعكس تريد ان تبقي القيود على اعضاء المقاومة الايرانية حتى لا يستطيعون التحرك الحر ضد حكم البطش والقمع في بلدهم. لذا نرى ان منذ صدور هذا القرار من المجلس الوزاري الاوروبي حتى الآن عدة تصريحات على لسان وزير خارجية فرنسا او الناطق باسم الخارجية او سفير فرنسا في طهران الذين يشددون فيها على وجود تحقيق قضائي ضد اعضاء المقاومة الايرانية في فرنسا.

من جهة اخرى نرى ان جميع المحامين ورجال القانون في فرنسا وفي العالم صرحوا مئات المرات بأن الملف خال من الدليل ولا يوجد فيه سوى ما تريد فرنسا تقديمه الى نظام الحكم في طهران مقابل التجارة والمال والنفط.

نعم كان هناك اجتماع كبيرلرجال القانون وللسياسيين واعضاء البرلمان في باريس يوم الرابع من مارس الماضي، تمت فيه مناقشة هذا الموضوع من مختلف الجوانب. ولا يبدو ان هناك أي دليل لاستمرار هذا الملف سوى ما قلنا. بين المواضيع التي طرحت في هذا الاجتماع من قبل المحامين هو ان فرنسا عندما فتحت هذا الملف ضد اعضاء المقاومة الايرانية ووجهت تهمة الارهاب اليهم قد برّرت هذه العملية بان جماعة مجاهدي خلق مدرجة في قائمة المنظمات الارهابية الاوروبية، لكنها اليوم جاء أنها يجب ان تبقى في القائمة لأن هناك ملفا بتهمة الارهاب ضدها. وهذه دائرة مفرغة لا يمكن الخروج منها!

وقد وجّه هذا الاجتماع دعوة الى السلطات الفرنسية باحالة هذا الملف الى المحكمة او اصدار قرار بمنع التعقب.

وكان لي مداخلة في هذا الاجتماع تطرقت فيها إلى أن هذه السياسة فاشلة وخاطئة، حتى اذا وضعنا مصالح فرنسا الاستراتيجية نصب أعيننا.

لكن يبدو ان الفرنسيين لديهم التزام امام الملالي لمواصلة هذه الوتيرة ضد المقاومة الايرانية ضاربين في التصرف عرض الحائط جميع المبادئ التي بنيت عليها جمهورية فرنسا.

ولشرح هذا الواقع صدر كتاب مؤخرا في فرنسا يشرح خلفية ما حدث في الكواليس بين المسؤولين الفرنسيين والايرانيين لطبخ هذا الطبق الذي لن يكون لقمة سائغة في نهاية المطاف للفرنسيين. وسأتطرق لهذا الموضوع في مقال آخر إن شاء الله.

* رئيس وزراء الجزائر الأسبق