اعتقالات في الكويت!

TT

«اعتقال ثلاثة مرشحين بالكويت»! هذا ما تناقلته وكالات الأنباء ومانشيتات الصحف (وبالذات العربية) ونشرات الأخبار طيلة الأيام الماضية. أيام مضت والخبر يتردد عن مرشحين للانتخابات البرلمانية معتقلين بالكويت. اعتقال المرشحين سمة ترافق انتخابات العالم الثالث، وتترافق أحيانا مع اغتيال واختفاء بعضهم أو ارتكابهم فضائح «مفاجئة». هكذا بدت صورة الكويت للعالم الخارجي طيلة فترة الاعتقالات، وقد اختزل العالم الحدث بالاعتقال، أما التفاصيل فتأتي بدرجة ثانية.

القصة أن مرشحين أمرت النيابة بضبطهم وإحضارهم لمخالفتهم القانون وارتكاب مخالفات في القول يعاقب عليها القانون. تنفيذ أمر الضبط والإحضار قسرا يتم فقط في حالة رفض المطلوب الانصياع للنيابة والوقوف أمامها، لكن أمن الدولة بالكويت «ما كذّبت خبرا»، فألقت القبض على المطلوبين واحتجزتهم أربعة أيام هي الحد الأقصى الذي يسمح به القانون خوفا من هروب المتهم أو تأثير خروجه على مجرى التحقيق أو لخطره على المجتمع في حال إخلاء سبيله. النيابة بدورها مدّدت حجز المتهمين. كُتّاب رشقوا النيابة بما لا يليق بالعدالة، واتهموها صراحة بالانحياز للموقف الحكومي السياسي بدلا من الانحياز للقانون. بل ذهب بعضهم أبعد من ذلك بتلفيق النيابة تهما للمعتقلين.

المشهد محزن، وثمنه باهظ لصورة الكويت التي طالما تغنى بالحريات فيها كثيرون ـ ليس من أهلها فحسب ـ بل من أرجاء عربية مختلفة.

والنتيجة خروج المتهمين من المعتقل وتوجيه التهم لهم ليقول القضاء كلمته الفصل فيهم. صحيح أن معاملتهم في سجن أمن الدولة وظروف اعتقالهم تعتبر كقضاء أيام في فندق من فنادق النجوم الخمسة إذا ما قورن بسجوننا العربية، ولكن المثل يقول: «لا تشوف الهالك كيف هلك، شوف الناجي كيف نجا»، فالأولى ألا نقارن بالأسوأ إن كنا نبحث عن الأفضل.

الاعتقالات خلقت شرخا مجتمعيا بغيضا في المجتمع الكويتي، وفسرت على أنها تستهدف فئات من المجتمع دون غيرها، لكن هذا الادعاء ضعُف باعتقال أحد أفراد عائلة الخرافي الذائعة الصيت والتي كان رئيس البرلمان أحد أعضائها. والتضامن مع المعتقلين أخذ شكل الفزعة القبلية ـ في غالبه ـ ونتج عنه تعاطف قبيلتي اثنين من المعتقلين معهما، فكان أن انتخبت قبيلة أحدهما معتقلها وهو في الزنزانة كمرشح للقبيلة، وهو الذي كانت فرصته ـ ربما أقل بكثير ـ لولا ظروف اعتقاله، فكان انتخابه نوعا من التضامن معه واحتجاجا على إجراءات اعتقاله.

ولعل المرشحين الآخرين قد حجزا مقاعدهما مبكرا قبل انتخابات 16 مايو القادم. أي أن الجهاز الذي أراد إيذاء هؤلاء المرشحين، قد ضمن وصولهم بتعاطف الناخبين معهم.

الكويت مقبلة على انتخابات برلمانية، والانتخابات تتسم بالمهرجانات والأعراس الديمقراطية، والمهرجانات فيها ميكروفونات، والميكروفونات تنادي بالمزايدات، والجماهير تقف خلف الميكروفونات، وهي بدورها تلهب حماس المرشح بقول ما لا يقال في الظروف العادية من إطلاق الوعود المستحيلة وحتى النشاز في القول أحيانا. هذه سمة عامة، وهي منتشرة في عالمنا العربي الذي لم يتراكم إرثه الديمقراطي «بعد»، واعتقال المرشحين في الكويت أساء لها ولديمقراطيتها ولمحبيها.

«الكويت ليست بئر نفط فقط». هكذا كان يردد المدافعون عنها في أيام محنتها واحتلالها، فالكويت حرية وديمقراطية وخالية من معتقلي الرأي والكلمة، مهما نشزت ومهما انحرفت، ومن أمر أجهزة الدولة بالكويت باعتقالات الأيام الماضية، أساء للكويت وآذى مشاعر محبيها، وسبب حرجا للمدافعين عنها وعن ديمقراطيتها..

خرج المعتقلون، وبقيت ندبة جرح الاعتقال، وغيمة قاتمة في سجل الكويت الجيد في مجال حقوق الإنسان. عشاق الحرية ومحبو الكويت، يتمنون أن تكون تلك الصفحة المشينة قد طويت إلى الأبد.